بين مطرقة التطبيع وسندان المقاومة: هل يزعجهم صمود غزة؟

الخميس 16 تشرين الأول , 2025 12:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

ليس من قبيل الصدفة أن تتناغم أصوات بعض الإعلاميين والكُتّاب المحسوبين على المنظومة الخليجية، وتحديدًا في السعودية والإمارات، مع سردية الاحتلال الإسرائيلي، بل وتتقاطع معها في نقاط حرجة لا يمكن تجاهلها. فبين سطور تغريداتهم، وبين سطور مقالاتهم "التحليلية"، يظهر امتعاض واضح، بل وربما حسرة مكتومة، من استمرار المقاومة الفلسطينية في التصدي لماكينة الحرب الإسرائيلية.

هذا الامتعاض لا ينبع من حرص على وقف سفك الدماء أو الحيلولة دون وقوع الكوارث، بل من ضيق دفين بفكرة أن مشروع المقاومة لا يزال قائمًا، ويقف حجر عثرة أمام مسار التطبيع المتسارع الذي تسعى له أنظمة المنطقة، لا سيما الرياض وأبوظبي، بكل ما أوتيت من نفوذ إعلامي وسياسي.

إنه لأمر بالغ الدلالة أن تجد أقلامًا خليجية – لا تُخفي تقربها من دوائر الحكم – تهاجم الفصائل الفلسطينية أكثر مما تنتقد الاحتلال ذاته، وكأن المعركة الحقيقية بالنسبة لهم ليست بين شعب محاصر وعدو غاشم، بل بين توجه يرون فيه خطرًا أيديولوجيًا على مشاريعهم "التحديثية"، وبين كيان يعُدّونه حليفًا استراتيجيًا في مواجهة التيارات الشعبية والدينية.

العداء الصامت (وأحيانًا الصريح) تجاه المقاومة لا يمكن فصله عن رؤية بعض حكام الخليج لما بعد "الربيع العربي"، فهم يعتبرون أي حركة تحررية، أو حتى مجرد رفض للخضوع، تهديدًا محتملًا لنموذج الحكم الذي يسعون لتثبيته في الداخل وتصديره للخارج. وحين تكون هذه المقاومة ذات طابع إسلامي، تزداد الحساسية، ويتضاعف الاستنفار، لا من أجل فلسطين، بل ضدها.

الغريب – أو ربما غير المستغرب – أن هذا التوجّه يأتي في وقت تتزايد فيه وحشية الاحتلال، وتتساقط فيه أقنعة التعايش الزائف. ومع كل مجزرة تُرتكب في غزة، تُدَار ماكينة التبرير الخليجية: لومٌ على المقاومة، وترويج لمظلومية المحتل، وتلميحات خبيثة عن "العبث" و"المغامرة غير المحسوبة".

والحقيقة أن ما يزعج بعض العواصم أكثر من سقوط الضحايا، هو أن الرواية التي دُفِعَت مليارات لترويجها – عن "سلام مزعوم" و"شرق أوسط جديد" – تنهار أمام صمود شعب لا يملك سوى إيمانه وأرضه. هذا الصمود لا يُناسب رواية من يسعون لتسويق تل أبيب كعاصمة للحداثة، ولا يخدم تطلعات من يرون في المقاومة عبئًا على طموحاتهم السياسية والاقتصادية.

لذلك، فلا عجب إن خرجت بعض الأبواق لتهاجم من يقاوم، وتلمّح أن "المشكلة" ليست في الاحتلال، بل في من يرفض الاستسلام. فهم – في قرارة أنفسهم – لا يريدون انتصارًا لغزة، لأن هذا الانتصار يُربك الحسابات، ويُذكّر الشعوب أن الحقوق لا تُسترد على موائد المفاوضات فقط، بل قد تُنتزع بالمقاومة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل