أقلام الثبات
قبل عامٍ بدأ العدو "الإسرائيلي" اجتياحه البري للجنوب والجوّي لكل مناطق الشيعة في لبنان بعد اغتيال "السيد الشهيد" وأغلبية القيادات المركزية والميدانية للمقاومة، وحشد 50,000 من جيشه مع سلاحه الجوي والبحري وعملائه وحلفائه، وبدأت ملحمة المقاومة الأسطورية، حيث صمد 4000 مقاوم بلا طيران وبلا قيادة ولا اتصال، وقاتلوا 50,000 جندي "إسرائيلي" بدباباتهم ومدرعاتهم وطيرانهم لمدة 66 يومًا.
استُشهد الجميع، لكنهم لم يستسلموا ولم يأسرهم العدو، وتناثرت أشلاؤهم على أرض الجنوب وذاب بعضهم في ترابها ولم يعودوا إلى أهلهم وبيوتهم.
قاتل الحسينيون في الجنوب بسلاحهم المتواضع وعقيدتهم العالية قتالاً حسينياً لا يشبهه شيء، وفرضوا بأجسادهم وأشلائهم وقف إطلاق النار، وأوقفوا زحف العدو باتجاه الليطاني، وكانت سرعة التقدم "الإسرائيلي" 100 متر في اليوم الواحد فقط.
استطاع المقاومون الحسينيون وقف الاجتياح البري لمدة 66 يومًا، ولا تزال شجاعتهم تمنع العدو من تكرار اجتياحه خوفا مما سيواجهه، وهو يعرف خسائره التي أصيب بها في اجتياحه الماضي.
لم يعرف "الشيعة اللبنانيون" معركة كبرى كالتي حدثت منذ قرون، ولم يخسر الشيعة 5000 شهيد و20,000 جريحًا خلال شهرين، ولم تتهجّر الطائفة بأكملها كما حدث العام الماضي، وصار "الشيعي" مُطاردًا سواء كان امرأة أو طفلاً أو مقاومًا، حيث يسكن أو على دراجة نارية أو في سيارة أو حتى لو كان وحيدًا في العراء.
أعلنت "إسرائيل" حربها على "الشيعة" لأنهم لا يزالون متمسكين بمشروع وثقافة المقاومة والعقيدة الدينية التي تحفّزهم لاستمرار المقاومة وتمنعهم من التطبيع، وقد بادر حلفاء "إسرائيل" من اللبنانيين للهجوم على عقيدة المقاومة وثقافتها، وبأنهم لا يخافون من سلاحها الذي ستتكفل "إسرائيل" بتدميره، بل يخافون من ثقافة المقاومة التي لا يمكن لأحد أن يمحوها او ينفّذ فيها حكم الإعدام بها، إلا إذا قتل من يحملها.
شكّلت معركة "ستالينغراد" في الحرب العالمية الثانية الأولى معركة استثنائية لا تزال حاضرة في التاريخ العسكري وشكّلت حرب تشرين عام 73 حربًا استثنائية في الصراع العربي - "الإسرائيلي"، وشكلت معركة "كربلاء" حدثًا تاريخيًا لم يستطع أعداء الإسلام طمسه، ولا يزال مضيئًا بعد 1400 عام.
إننا مسؤولون عن كتابة هذه "الملحمة الكربلائية"، حرب تشرين 2024 (معركة كربلاء كانت في تشرين أول عام 680 ميلادي) لتكون وسامًا على صدور الأجيال القادمة، وسطراً ذهبياً في هويتها الثقافية، ومن حق الشهداء الحسينيين أن تكون أسماؤهم محفورة بماء الذهب على صفحات تاريخ المقاومة، لحفظ حقهم وشجاعتهم، وليكونوا مثالاً ونموذجًا للذين سَيُولدون لكي يتابعوا الحرب التي لم تنتهي ولن تنتهي إلا بزوال الاحتلال.
إننا مسؤولون عن إحياء ذكرى "الملحمة الكربلائية" في الجنوب، وإقامة المؤتمرات والندوات وعرض الأفلام الوثائقية ليعرف الناس بطولة الحسينيين المقاومين المجاهدين وأن لا تقتصر فعالياتنا على مناسبات الحزن والبكاء، بل إقامة المهرجانات للاحتفال بشجاعة هؤلاء الشهداء وعدم طمس تاريخهم وصحيحٌ أن الحرب قد أصابتنا بضربات قاتلة، لكن هؤلاء الشهداء سجلوا نقاطًا مضيئة وشجاعة أسطورية يجب ألا يغطيها دخان القصف وغبار الدمار وآهات الحزن حتى لا نقتل هؤلاء الشهداء مرتين، مرة عندما قتلهم العدو ومرة عندما طمسنا بطولاتهم وتضحياتهم ولم نعلنها للناس، لكي لا يتسلل اليأس والضعف إلى من بقي حياً، وأننا قادرون على المواجهة. فمن استطاع منع العدو 66 يومًا من الوصول إلى الليطاني يستطيع ألا يبقيه آمناً إذا تجرأ على الاجتياح البري ثانيةً.
لنتباهى ونفخر بشجاعة إخوتنا وأبنائنا الشهداء المقاومين كما نحزن لفقدهم، وحتى لا يكون كتاب مقاومتنا صفحات حزن وخسارة ،بل صفحات مجد وعزة وكرامة وبطولات ونؤرخ لحرب ال66 يومًا التي انتصرت فيها المقاومة، مقابل حرب "الأيام الستة" التي انهزمت فيها الجيوش العربية.
يكفي المقاومة وأهلها أن يعترف العدو ببطولاتهم، فيقول" نتنياهو" عن السيد الشهيد إنه "كان جيشًا كاملاً لوحده وأنه محور المحور"، ويقول السيناتور الأمريكي غراهام "لا تطبيع ولا سلام في الشرق الأوسط إذا بقيت المقاومة في لبنان".
لم تنتهِ الحرب ولن تنتهي، ويمكن أن نخسر معركة بشرف دون استسلام... لكننا سننتصر في المعارك المقبلة حتماً، وهذا وعد الله سبحانه، إذا قاتلنا في سبيله ومن أجل حماية دينه وعياله.
الذكرى السنوية لحرب ال66 يومًا... "كربلاء الجنوب" ــ د. نسيب حطيط
الجمعة 03 تشرين الأول , 2025 11:13 توقيت بيروت
أقلام الثبات

