أقلام الثبات
منذ توقيع الاتفاقيات التي لم تلتزم بها "إسرائيل" في تشرين الماضي، بدأت "إسرائيل" بتجربة جيل جديد من الاحتلال قد تكون الأولى عالميًا، ونموذجًا جديدًا لم يشهده تاريخ الحروب أو الغزو أو الاستعمار، ولا أي وجه من وجوه الحرب الحديثة، بعدما تفرّدت "إسرائيل"، برعاية أمريكية، بمجزرة "البيجر" التي كانت عملية عسكرية أمنية خارجة عن سياق الحروب وأخلاقياتها وقوانينها، وهي الأولى من نوعها عالميًا وقد سبق للبنان أن عاش نوعين من الاحتلال "الإسرائيلي" خلال اجتياحي 1978 و1982:
- الاحتلال العسكري المباشر: تمثل بتواجد الجيش "الإسرائيلي" على الأراضي اللبنانية في مواقع عسكرية ثابتة، ودوريات راجلة ومؤلّلة، وحرية حركة الطائرات في الأجواء.
- الاحتلال العسكري غير المباشر: عبر ميليشيات جيش سعد حداد وجيش لبنان الجنوبي.
أُصيب الجيش "الإسرائيلي" بهذين النموذجين من الاحتلال بخسائر بشرية وعسكرية ومعنوية كبيرة، مما أدى إلى انسحابه من جنوب لبنان عام 2000، وحُلَّ جيش لحد الذي التحق الجيش "الإسرائيلي" به كلاجئ داخل فلسطين المحتلة.
بعد معركة طوفان الأقصى وحرب الإسناد، تواجه "إسرائيل" مصاعب عسكرية وأمنية ولوجستية، بسبب المكاسب العسكرية والجغرافية التي حقّقتها خلال العامين الماضيين، وتشمل هذه الصعوبات والمشاكل ما يلي:
- قلّة عدد الجيش "الإسرائيلي"، وخوضه حربًا على جبهتين لأول مرة لمدة عامين دون أن تنتهي بعد.
- توسّع الرقعة الجغرافية التي احتلتها في غزة ولبنان وسوريا.
- تعدّد جبهات التهديد: لبنان وغزة واليمن وإيران والعراق.
يحاول العدو حل هذه الصعوبات والمشاكل دون التنازل عن الأراضي التي احتلها، بل يسعى لتوسيعها ضمن مشروع "إسرائيل الكبرى"، لذا لجأ إلى تجربة نموذج جديد من الاحتلال في لبنان خلال العام الماضي، مع محاولته الاستمرار في تثبيت هذا النموذج الذي يرتكز على ما يلي:
- الاحتلال الجوي: عبر السيطرة الكاملة على الأجواء اللبنانية بدوريات من الطائرات المسيّرة، متعدّدة الوظائف والأحجام على مدار 24 ساعة، مع جاهزية مستمرة للقصف، الأمر الذي أدى إلى اغتيال ثلاثمائة مقاوم مدني، بالتلازم مع استمرار الغارات الجوية "الإسرائيلية" بالطائرات الحربية على كامل الجغرافيا اللبنانية "الشيعية"، في الجنوب وبيروت والبقاع، بهدف منع المقاومة من استعادة قدراتها العسكرية، بل ويُنظر إلى كل جرافة، أو صهريج، أو آلية حفر، أو مجبل باطون، أو مضخة مياه على أنه هدف عسكري، وقد يتطور الأمر ليشمل الأفران والمخابز والمستشفيات والمدارس.
اعتمدت "إسرائيل" في مرحلة الاحتلال البري على الدوريات الراجلة والمؤلّلة ومواقع عسكرية ثابتة، مما عرّضها لكمائن المقاومة وعبواتها الناسفة، أما في نموذج الاحتلال الجوي، ينجو الجيش من كل هذه المشاكل التي يستلزمها الاحتلال البري، لذلك، استعاضت "إسرائيل" عن ذلك بالمواقع العسكرية الجوية النقّالة التي تعتمد على أسراب الطائرات المسيرة، والتي يمكن أن يتواجد منها المئات في وقت واحد، بانتشار عسكري جوّي ودوريات تفتيش عبر المسيّرات للمنازل والأحراش والسيارات، وربما اقتحام المقاهي والبيوت.
حققت "إسرائيل" نجاحاً كبيراً في هذا النموذج من الاحتلال الجوي، مما يستدعي أن تطوّر المقاومة خططها الميدانية وعملياتها وتغيير أساليب المواجهة، فكما غيّر العدو خطته العسكرية من البر إلى الجو، على المقاومة أن تغير أسلوبها أيضاً، بالتوجه نحو الكمائن الجوية والعبوات الجوية لزعزعة الاحتلال الجوي وعرقلة حركته ومنعه من حرية التنقل، كما كانت تمنع حركته الميدانية على الأرض.
الاحتلال "الإسرائيلي" من الجو يستدعي مقاومة تحاكيه بنفس الأسلوب والتقنيات وتختلف عن المقاومة الميدانية البرية ونتيجة للحصار المتزايد على المقاومة والتفوق الجوي الإسرائيلي، فإن الاعتماد على الصواريخ الدقيقة والضخمة، وإهمال الوسائل الخفيفة والسريعة الحركة، سيجعل المقاومة مثل "كيس رمل" أمام ملاكم "إسرائيلي" يثخنه بالضربات.
إن لكل مرحلة عسكرية خططها وأساليب مواجهة مختلفة، وهذا يستوجب تغيير خطط المواجهة والمقاومة، مع الثبات على العقيدة والمبدأ والموقف، والعنوان الثابت "واجبك أن تقاوم، وألا تستسلم، وألا تُهزم. وكما استمرت المقاومة 20 عاماً لتحرير الأرض من الاحتلال البري، عليها أن تستعد لتحرير الجو وتحرير لبنان من الاحتلال الجوي الجديد".
الاحتلال الجوي الجديد يستوجب التركيز على العقل والذكاء والتفكير والتقنيات والتطور التكنولوجي أكثر من التركيز على القوة البدنية والأعداد، بالتلازم مع ضرورة عدم التأخر في الرد، حتى لا يصبح الاحتلال الجوي واقعاً راسخاً..."حمل المقاومة وفصالها عامين" وقد شارفا على الانتهاء..
الاحتلال الجوي... الجيل الثالث من الاحتلال "الإسرائيلي" للبنان ــ د. نسيب حطيط
السبت 25 تشرين الأول , 2025 09:29 توقيت بيروت
أقلام الثبات
صدرت الأوامر للجولاني... المطلوب القضاء على "ثوار" الأمس _ حسان الحسن
إلى أصحاب العمائم... في مظلومية المفتي حسون لا أستثني منكم أحدًا ـ محمد دياب
"إسرائيل"... بناء مستوطنات بلا مستوطنين تسكنها البوم والغربان ــ أمين أبوراشد