أقلام الثبات
وافق الكنيست على "القراءة التمهيدية" لقرار فرض السيادة "الإسرائيلية" على الضفة الغربية، بناء على مشروع قانون من "أفي ماعوز"؛ رئيس حزب "نوعام" اليميني المتطرف.
هذه الخطوة وإن كانت مبدئية وتحتاج للعديد من جلسات المناقشة، لكنها أحدثت شرخاً في المجتمع الصهيوني وتبايناً عميقاً بين المكونات السياسية، التي اعتبرت بعضها أن إسرائيل تشتري العداوات المجانية مع دول العالم وتساءلت: مستوطنات جديدة لمَن؟ ويهود "إسرائيل" بعد السابع من أكتوبر يغادرون بلا عودة؛ في أخطر هجرة عكسية عرفها تاريخ الكيان.
ويتساءل الشارع "الإسرائيلي": أين "عَلِيَّاه"؟ وهو مصطلح الهجرة إلى "أرض الميعاد" بالعبرية، ويعني "الصعود"، ويُستخدم للإشارة إلى هجرة اليهود إلى فلسطين، فيما هذا الشارع يرصد العكس، وهو مصطلح "يريدا" ويعني "النزول"، ويُستخدم للإشارة إلى الهجرة اليهودية إلى خارج إسرائيل"، وهي بدأت بكثافة عامي 2000 و2006، لكنها بعد 7 أكتوبر 2023 أصبحت نازفة، وتُعتبر كارثة وجودية لكيان يحتلّ ويقتل ويُدمِّر ويُهجِّر لبناء المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية، ولا يجد مستوطنين يُلبُّون نداء "عَلِيَّاه".
وعلى خلفية العدوان الهمجي على غزة، وضمن فعاليات التظاهرات الجامعية المتضامنة مع أطفال غزة في أميركا وأوروبا، أعلنت العديد من الهيئات والمنظمات الدولية عبر العالم أنها بريئة من العنف الصهيوني "بقلنسوة يهودية"، وأن كلمة "عَلِيَّاه" لا تعني العودة إلى أرض الميعاد، لأن هذه الأرض غير موجودة أصلاً، بل هي أكذوبة صهيونية لخلق دولة لليهود، الذين تعايشوا في فلسطين مع المسيحيين والمسلمين منذ قرون، لكن هذا لا يعني أن فلسطين هي أرض ميعاد لليهود، بل هي أرض فلسطين لكل أبنائها من "الأديان الإبراهيمية".
وقد يكون “شلومو ساند”؛ أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، وهو مؤرخ كبير وكاتب بارز معادٍ للصهيونية، تعززت لديه مشاعر اللا انتماء الى كيان ما تسمى “دولة إسرائيل”، من خلال دراساته العميقة للتوراة والتلمود وسائر الكتب اليهودية، التي تنصّ على أن فكرة قيام دولة “إسرائيل” هي وليدة كذبة صهيونية منافية لتعاليم الكُتُب، ومعصية لإرادة الله الذي غضب على اليهود وأوصاهم بعدم بناء “مملكة” جديدة، بعد ارتكابهم أخطاء في مملكة “داود وسليمان” ولاحقاً مملكة “حشمونائيم”، وأن غضب الله عليهم يقضي بأن يعيشوا بين الأمم، ولا يُنشئوا مملكة أو دولة مستقلة، التي هي “إسرائيل” اليوم.
“شلومو ساند” له في سياق التمييز بين اليهودية كديانة والصهيونية كبدعة سياسية ثلاثة كتب: “اختراع الشعب اليهودي” عام 2009، و “اختراع أرض إسرائيل” عام 2012، و”كيف لم أعد يهودياً” عام 2014.
وبمجرد وضع الخلاف اليهودي/ الصهيوني على طاولة التشريح، تتظهر فئة الحريديم الرافضة أصلاً لكيان اسمه "دولة إسرائيل"، وهي لا تنخرط في الخدمة الحكومية سواء كانت مدنية أو عسكرية، لكن رفض أداء الحكومات الصهيونية وتحديداً اليمينية المتطرفة كحكومة نتانياهو، دفع بيهود "إسرائيل" سواء كانوا من طائفة الحريديم، أو سواهم من الأشكيناز الغربيين والسفارديم الشرقيين، إلى المجاهرة، بأن هكذا دولة لا توحي لهم بالأمان رغم مغريات الإستيطان، وأن أولادهم قادمون على حروب مع جيرانهم كما حصل لأجدادهم وآبائهم منذ العام 1948 حيث هناك "دولة" لا تتوقف عن الحروب.
خلال العام 2024، غادر "إسرائيل" نحو 82،700 يهودي، انتقلوا للعيش في أماكن أخرى من العالم بعيدًا عن حروب "إسرائيل"، وتشير التقارير إلى أن هذه النسبة هي الأعلى في تاريخ "إسرائيل"، حيث كانت معدلات الهجرة العكسية السنوية في العقود السابقة نحو 35 ألفًا فقط، وهي أيضا معدلات تعتبر- بحد ذاتها- كبيرة.
المسألة الأهم في الهجرة النازفة لليهود من "إسرائيل"، هي في نظرة الريبة لدى عموم أبناء الدول التي هاجروا إليها، على خلفية الارتكابات الجرمية لحكومة نتانياهو بحق أبناء غزة، وباتت حتى الجمعيات اليهودية التي تعنى بأوضاعهم عبر العالم، تتعامل معهم بحذر خلال محاولة دمجهم في المجتمعات الجديدة، مما عزز من شعور الكراهية لهم من المجتمعات الأوروبية اليمينية، التي تتلمَّس خطرهم على الأمان الاجتماعي والاقتصادي، في دول سبق لها أن طردتهم إلى فلسطين نتيجة عدم اندماجهم في المجتمعات المختلطة.
في الخلاصة، اليهود من غير الصهاينة لم تعُد "إسرائيل" البلد الآمن لهم، وهم لا يرون في إغراءات الاستيطان سوى أنهم وقود السياسة الصهيونية، وأن هذه المستوطنات القائمة وسط أسوار حديدية مُكهربة، ليست سوى سجون كبيرة لنفث سموم الحقد على جيرانهم أبناء البلد، وهي مجرد معسكرات للجيش وللمستوطنين المتشددين، وغير صالحة للحياة المدنية الآمنة، وبعضها بات مهجوراً إلا من البُوم والغربان.
صدرت الأوامر للجولاني... المطلوب القضاء على "ثوار" الأمس _ حسان الحسن
إلى أصحاب العمائم... في مظلومية المفتي حسون لا أستثني منكم أحدًا ـ محمد دياب
الاحتلال الجوي... الجيل الثالث من الاحتلال "الإسرائيلي" للبنان ــ د. نسيب حطيط