أميركا.. حركة "لا ملوك" تهدد عرش "المَلِك" ــ أمين أبوراشد

الأربعاء 22 تشرين الأول , 2025 09:55 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ليس رفض المَلكِيَّة أمراً جديداً على الشعب الأميركي، بل هو مقترن بتاريخ الاستقلال ونهاية حكم جورج الثالث؛ آخر ملك من بريطانيا العظمى، الذي انتهى خلال الثورة عام 1776، واعتبر الأميركيون يومذاك أن المَلِك، أيّ مَلِك، هو رمز الطغيان، وبنوا ثقافتهم الديمقراطية على هذا الأساس.

وقد مرَّ على الأميركيين رؤساء تجاوزوا حدود صلاحياتهم بعض الأحيان، نتيجة الظروف التي عاشتها البلاد، وتمَّت تسميتهم "الرؤساء الملوك" بالنظر الى إنجازاتهم العظيمة، وأبرزهم على الإطلاق هم أبراهام لينكولن، جورج واشنطن وفرانكلين روزفلت، لكن هذا لا يعني أن من حق أي رئيس اعتبار نفسه "الرئيس الملك"؛ كما يحصل مع الرئيس الحالي دونالد ترامب.

يأخذ الأميركيون على ترامب أنه فظّ ومُتعالي، ويذهب بعيداً في العداوة مع خصومه، حتى ولو لم يقصدوا مخاصمته، بل طالبوا بتطبيق الدستور والقانون، فنشأت له عداوات منذ ولايته الأولى، مع القضاء ومع الإعلام ومع الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، هذا عدا عن سياسته الخارجية المتقلٍّبة مع أصدقاء وأعداء أميركا على حدٍّ سواء، إضافة إلى سياساته المالية في تحديد مسارات الإنفاق التي تميل إلى اعتبار المؤسسات غير الربحية غير ذات جدوى، وتجيير الموازنات من وزارة إلى أخرى ومن قطاع إلى آخر، لدرجة تعزيز التمويل الصناعي، والحربي بشكل خاص، على حساب الإنفاق في مجال الصحة والتأمين الاجتماعي.

المعروف عن الشعب الأميركي أنه لا يكترث لسياسات بلاده الخارجية ولا يتفاعل مع القضايا الدولية ما دامت خارج الحدود، بينما ارتفاع سعر غالون الوقود سنتاً واحداً في السوق الأميركية، يُشعل فيه نار الثورة، وأي مساس بالجداول الضريبية له ارتداد في الشارع أكثر من كل الضربات التي ترتكبها حكومته عبر العالم.

مفتاح عقل وقلب المواطن الأميركي هو جيبه، في مجتمع استثمار العقل لإدارة اقتصاد حرّ لا مكان فيه للقلوب الضعيفة، التي لا تتحمل تقلبات مؤشرات البورصات العالمية التي تحكمها زوايا ودهاليز "وول ستريت"، الذي بات يختصر طبقة المال والأعمال ورمزاً للرأسمالية المتوحشة التي ينتمي إليها الرئيس ترامب، خاصة في خطوته الأخيرة حول الجدولة الضريبية التي تخفف عن أصحاب الرساميل وتثقل كاهل الطبقتين الوسطى والفقيرة، واستتبعها بمسألة التخفيف من أعباء التأمين الصحي وحرم تلقائياً ثلاثة ملايين ومئة ألف مواطن أميركي من تغطية النفقات الطبية والاستشفائية، ما ألهب الشارع وأنزل سبعة ملايين أميركي في أكثر من 2700 تظاهرة عمَّت الولايات الأميركية.

لقد مسَّ الرئيس ترامب المواطن الأميركي في أمانه الصحي، وخلط أوراق حياته المدروسة جيداً لنتأقلم مع الأعباء الضريبية التي يتحملها، وفي هذا السياق قالت صحيفة واشنطن بوست أن ما بين 5 آلاف إلى 6 آلاف من الأميركيين الذين يعيشون خارج الولايات المتحدة يتخلون عن جنسيتهم كل عام، وأغلب الأسباب التي يستندون إليها لها علاقة بالضرائب أو أمور لوجستية، وفقاً لمحامي الهجرة الذين يعالجون قضايا التنازل عن الجنسية.

وذكرت الصحيفة، أن الولايات المتحدة واحدة من بلدين فقط في العالم، إلى جانب إريتريا، التي تستند فيها ضرائب الدخل على من يحملون جنسيتها وليس من يقيمون فيها، مما يتطلب من الأميركيين في الخارج أن يقدموا إقرارات سنوية لهيئة الإيرادات الداخلية (الضرائب الأميركية) بالإضافة إلى تلك التي يطلب منهم تقديمها في الدول التي يعيشون أو يعملون فيها.

وكمثال على النظام الضريبي الأميركي، فإن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، المولود في نيويورك لأبوين بريطانيين، تخلى عن جنسيته الأميركية عام 2016، بعد الشكوى من فاتورة الضرائب الباهظة للغاية على بيع منزله في لندن.

وتضيف واشنطن بوست أن نسبة المواطنين الأميركيين الذين يعيشون خارج الولايات المتحدة وتخلوا عن جنسيتهم الاميركية، ارتفعت خلال العامين الأخيرين من 30 إلى 49%، وفقاً لاستطلاع سنوي أجرته شركة استشارات الضرائب الدولية "جرينباك"، ومن بين هؤلاء المواطنين، فإن 61% ذكروا الضرائب كأبرز الأسباب وراء قرارهم، بينما تحدث 51% عن عدم الرضا عن الحكومة الأميركية أو التوجه السياسي.

وسط إحدى تظاهرات "لا للملوك" وقفت نانسي بيلوسي؛ رئيسة مجلس النواب السابقة عن الحزب الديمقراطي، وهي من ألدّ خصوم ترامب، حملت تاجاً رمزياً وكسرته أمام المتظاهرين وقالت "لا للملوك".

في نفس الوقت، وقف ناشط سياسي من حركة "لا للملوك" وقال: "نحن هنا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الرافضين للفوقية التي يتعاطى فيها الرئيس مع الداخل والخارج".

لقد تخطى ترامب حتى سلطة الملك المطلقة، وبات في ولايته الثانية يتصرف كما الإمبراطور، يأمر وينهي ويخطئ ويتراجع، بدءاً من ملف المهاجرين غير الشرعيين، وأزمة رفع الضرائب على السلع مع المكسيك وكندا والصين، والتدخل في الحروب لنيل جائزة نوبل للسلام، وانتزعتها منه مُعارِضَة فنزويلية، ولا ننسى محاولاته لتعديل الدستور بهدف ضمان ولاية ثالثة لنفسه، أما خطابه الخارجي فهو انفعالي وغير واثق من النتائج، وهو بات شخصية غير محبوبة من الدول الصديقة نتيجة تصوير نفسه أنه ملك على الآخرين، وخطابه الأخير في الأمم المتحدة كان فاشلاً بل مثيراً للسخرية، وتصرفاته الاستعراضية خلال لقائه القادة في شرم الشيخ تثبت أن الرجل لديه ميول ملكية استعلائية ديكتاتورية تمنعه من مقاربة الواقع، وعلى هذا الأساس من الصعب على الشعب الأميركي أن يتعايش معه خلال الفترة المتبقية من ولايته.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل