حكاية الصخرة الصمَّاء مع مَن بهم صمَمُ ــ أمين أبوراشد

الأربعاء 01 تشرين الأول , 2025 09:47 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

قد يكون من الأجدى لملمة بقايا القرارات والمذكرات والتصريحات العائمة عند سفح صخرة الروشة، فلا هي علِقَت على الصخرة، ولا البحر ابتلعها لصعوبة هضمها، عسى "معمودية" إنارة تلك الصخرة تُنير عقول أهل السياسة والإعلام في لبنان، للتخفيف من المواقف ذات الوزن الثقيل، التي لا يهابها الصخر ولا يحتملها البحر، والكلام غير المسؤول هو أثقل على العقول، لأن ثقله النوعي بخفَّة عقل قائليه، على أمل أن يستفيق البعض من تجربة مُناطحة الصخرة، قبل متابعة حديثهم عن نزع سلاح أصلب من الصخر.

بعض المراقبين اعتبر "الهجوم" على الصخرة استعراضاً للقوة من الرئيس نواف سلام وفريقه في وجه المقاومة، وهذا صحيح، والبعض الآخر رأى أن "عملية الصخرة" هي "تحماية عضلات" لخطوات ترتبط بسحب سلاح المقاومة، وهذا أيضاً صحيح، مع وجود مشكلة تبلغ حد العجز عن تقدير حجم هذه الخطوات، سيما أن خصوم المقاومة المطالبين بسحب سلاحها رؤيتهم بالكاد ترى صخرة الروشة، فكيف لها أن ترى مرتفعات جبل الشيخ التي احتلتها "إسرائيل" مؤخراً، وتكشف من خلالها لبنان وسوريا والأردن والعراق، كون هذه المرتفعات تضم أعلى نقطة في الشرق الأوسط.

عندما تم إعلان وقف إطلاق النار بين المقاومة والعدو "الإسرائيلي" في 27 تشرين الثاني 2024، لم تكن مرتفعات جبل الشيخ من الجهة السورية محتلة، وبالتالي فإن المخاطر على لبنان لم تعد تقتصر على آلاف الخروقات الجوية والبحرية والبرية من الجانب "الإسرائيلي" للقرار 1701، بل هناك مستجدات في تقدير حجم المخاطر المقبلة على لبنان من مرتفعات جبل الشيخ، وسط رفض "إسرائيلي" - بدعم إقليمي ودولي - الالتزام بالقرار والتعهد بما يشبه "عدم الإعتداء".

الأخطر على لبنان ليس فقط من جغرافية الكيان المحتل، ولا هو فقط في احتلال "إسرائيل" الآن مرتفعات جبل الشيخ، بل من الفوضى الحاصلة في الجنوب السوري، حيث تعتبر القنيطرة ودرعا والسويداء تحت النار الصهيونية، و"الاتفاق الأمني" المزعوم بين سوريا والكيان الصهيوني - والقاضي بقيام "دولة السويداء" وتجريد كامل الجنوب السوري من السلاح الثقيل والمتوسط - تم تجميد التوقيع عليه بين نتانياهو والشرع، لأن الآراء القانونية الدولية أجمعت للأمم المتحدة أنه ليس من حق أحمد الشرع التوقيع على اتفاقية دولية حدودية، كونه رئيس سلطة مؤقتة، ولا بد لسوريا من تطبيق القرار الأممي 2254 القاضي بنقل السلطة من خلال عملية ديمقراطية.

كل هذا الانبطاح من سلطة أحمد الشرع للكيان الصهيوني، لم يشفع لسوريا بوقف العدوان اليومي عليها، بشراً وحجراً وشجراً، في الوقت الذي تمزقت جغرافياً وديمغرافياً، ولم تعد تُشكِّل خطراً على جيرانها، باستثناء لبنان، نتيجة انتشار العناصر المتطرفة في محافظاتها الداخلية، وسط الحديث عن المعركة المقبلة، التي - مع الأسف - ستحمل طابع الحرب الأهلية ضمن حدود الكانتون السنِّي بين حماه ودمشق، وربما حمص التي تتجاور مع لبنان ومساحتها أربعة أضعاف مساحته، ورغم ذلك، وعلى وقع تهديدات بعض العشائر السورية للبنان، ما زال بعض السخفاء في لبنان يكررون عبارة "نزع سلاح المقاومة"، وهم أنفسهم الذين تضامنوا مع الإرهابيين في العام 2017، والذين لولا الجيشين اللبناني والسوري، ولولا المقاومة، لاحتلوا لبنان وارتكبوا الفظائع بحق مواطنيه من كل الطوائف.

ولبنان المكشوف أمنياً لا أحد بإمكانه التنبؤ بما ينتظره، وسط تشكيك المبعوث الأميركي المتعجرف طوم باراك بقدرات الحكومة اللبنانية على بسط سيادتها، والطعن بالجيش اللبناني، والتلويح بوقف تزويده بالمساعدات الأميركية، علماً أنه من الممنوع أميركياً أن يحصل هذا الجيش على ما يلزمه من أسلحة وأعتدة لحماية الحدود وردع العدوان، وهذا ما تخشاه قيادة المقاومة، التي تدفع باتجاه تعزيز هذا الجيش وحصر السلاح بيده ضمن استراتيجية دفاعية، أو ما تسمى "خطة الأمن الوطني".

ختاماً، البعض من خصوم المقاومة لم يخجل من المطالبة بنزع سلاحها، على أن يتم لاحقاً الضغط على "إسرائيل" دبلوماسياً للانسحاب من المواقع الخمسة المحتلة، فيما حكومة نتانياهو أجابت عبر طوم باراك نفسه عن بقائها كلياً أو جزئياً في أربع عشرة بلدة من الجنوب اللبناني، واعتبارها منطقة عازلة؛ أسوة بما فعلته في القنيطرة السورية وجبل الشيخ، ودونالد ترامب وقف منذ ساعات في دردشة بين الصحافيين ليقترح الحل على طريقة سمسار عقاري وقال: "يجب ضمّ لبنان إلى سوريا، لأن حكومته عاجزة عن حصر السلاح"، في الوقت الذي نحن نغرق بالجدل البيزنطي الغبي: فريق يرفض إنارة صخرة الروشة بصورة "السيد"، وفريق يرفض أن يحتكر حزب معين صخور نهر الكلب، صورة من شمال النفق لشخصية سياسية راحلة ومن جنوب النفق صورة ابن أخيه الراحل، وفي الوسط تُرفع أحياناً صورة أمير خليجي!


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل