الثبات- إسلاميات
الاستغفار ليس كلمةً تُردَّد بالشفاه فحسب، بل هو نداء قلبٍ منكسر، ودمعة عينٍ خاشعة، واعتراف عبدٍ بذنبه وضعفه بين يدي ربّه
إنّه سَكَنُ الأرواح، وغيثُ القلوب، وجسر الرجوع إلى الله بعد طول غياب.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾
فجعل الاستغفار أمانًا للأمة، وحرزًا من العذاب، وحبلَ نجاةٍ من سخط الله
ويقول سبحانه في سورة هود على لسان نبيّه: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا﴾
فالاستغفار مفتاح الرزق، وباب المتاع الحسن، ومدخل الطمأنينة في الدنيا والآخرة
أما النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان وهو المعصوم، المبرّأ من الذنوب، يُكثِر من الاستغفار، فيقول: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة))
فإذا كان حبيب الله الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لا يفتر عن الاستغفار، فكيف بنا نحن المذنبين؟
وقد فهم السلف سرّ هذه العبادة، فأكثَروا منها في الليل والنهار.
قال الحسن البصري رحمه الله: "أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وأسواقكم ومجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة"
وقال قتادة: "إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار"
وكان بعضهم إذا قيل له: كيف أصبحت؟ قال: "ننظر إلى ذنوبنا فنستغفر الله منها"
وقال آخر: "الاستغفار أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء"
فالاستغفار ليس للمذنبين وحدهم، بل هو عبادة الصالحين، وراحة المحبين، وتجديد للعهد بين العبد وربّه إنّه يجمع بين الخوف والرجاء؛ خوفٍ من خطايا أثقلت القلب، ورجاءٍ في رحمة الله التي وسعت كل شيء. فلنُكثر من الاستغفار في أسحارنا، وفي سجودنا، وفي خلواتنا، ولنجعلها عادة لا تنقطع، ولسانًا لا يفتر، وقلبًا لا يملّ؛ فهو مطر الرحمة الذي ينعش الأرض الميتة فينا، ونور الأمل الذي يبدّد عتمة الذنوب.