في رحاب سورة الكهف

الجمعة 26 أيلول , 2025 09:41 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

  الثبات-إسلاميات

   {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}

الحمد لله… كلمة جامعة لغاية الشكر ومنتهى الثناء، افتتح الله بها سورة الكهف كما افتتح بها فاتحة الكتاب: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وكما افتتح بها سورًا أخرى، إشارة إلى أن كل نعمة ابتدأت من فضله، وكل كمال يعود إلى عطائه، فهو سبحانه المحمود في الأولى والآخرة، في الدنيا والآخرة

 معنى الحمد الحمد أعمّ من الشكر؛ فهو الثناء على المحمود بصفاته الجميلة وأفعاله الجليلة، سواء أكان ذلك في مقابل نعمة، أم لم يكن

  قال ابن كثير: "الحمد هو الثناء على الله بصفاته كلها، لما له من صفات الكمال، ونعوت الجلال، مع محبته وإجلاله وتعظيمه" وقال الراغب الأصفهاني: "الحمد أرفع من الشكر؛ لأن الشكر لا يكون إلا على النعمة، والحمد يكون على النعمة وعلى ما هو من صفات المحمود"

 ولهذا كان الحمد أتمَّ ما يليق بجلال الله وكماله، فجاءت به خطبة القرآن: كتاب الهداية والرحمة، الذي أنزله الله على عبده المصطفى ﷺ

  الارتباط بين الحمد وذكر عبده ﷺ

وليس من المصادفة أن يجيء ذكر الحمد مقرونًا بذكر العبد المصطفى ﷺ؛ إذ كانت أعظم النعم التي تستوجب الحمد هي بعثة سيد الخلق محمد ﷺ، فهو الهدية العظمى للعالمين: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ ﷺ  فالآية تشير إلى أن الحمد لله على إنزال الكتاب لا ينفك عن الحمد لله على إرسال الرسول ﷺ إذ لا يُعرف الكتاب إلا بالرسول، ولا يُبلَّغ الوحي إلا عن طريقه فكأنما جمع الله بين نعمتين عظيمتين: نعمة الوحي، ونعمة الموحى إليه وهو رسول اللهﷺ

  وقد أشار العلماء إلى أن وصف النبي بالعبودية هنا هو أسمى مراتب تكريمٍ له، لأنه تحقّق بالعبودية الكاملة لربه، فصار هو النعمة العظمى للبشرية كلها؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾

  إذن، كلما نطق العبد بـ"الحمد لله" تذكّر أن أعظم ما يُحمد عليه هو إنزال الكتاب على هذا العبد المبارك ﷺ، فبه عُرفت السعادة، وبه رُسمت معالم النجاة، وبه كُشف الغطاء عن قلوب غشّاها الضلالﷺ

  منزلة القرآن وفضله

القرآن هو أعظم ما امتن الله به على عباده، لأنه مصدر الهداية والنور وقد جمع من الخصائص ما لم يجتمع في كتاب قبله:

1. أنه محفوظ من التحريف: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾

 2. أنه مهيمن على الكتب السابقة: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾

 3. أنه شفاء ورحمة: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾  

4. أنه هداية للعالمين: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾  

5. أنه معجزة خالدة: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾

6. أنه سبب العز والرفعة: قال ﷺ: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين))

7. أنه النور في الدنيا والشفاعة في الآخرة: قال ﷺ: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))

 القرآن والنعمة الكبرى

حين يقول الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ فإنه يذكّر عباده أن أعظم ما يستوجب الحمد هو هذا الكتاب، لأنه يجمع بين النعمتين: الهداية بالقرآن، والقدوة بالرسول ﷺ فالقرآن ليس مجرد تلاوة أو بركة، بل هو منهج حياة، يُتلى للتدبر والعمل، لا للزينة والهجر وقد ذمّ الله من هجره بقوله: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾

  واجبنا تجاه القرآن

التلاوة والتدبر: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾

 العمل به: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾  

تعليمه للأبناء والأجيال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))

 اتخاذه دستور حياة: لا مجرد أوراق تُتلى، بل مرجعًا في الأحكام والأخلاق والسياسة والاجتماع

  الخلاصة

الآية الكريمة تحمل أعظم المعاني:

 أن الحمد أصل العبودية

 أن ذكر العبودية تشريف للنبي ﷺ 

أن إنزال الكتاب أجلُّ نعمة للبشرية، وأن الرسول ﷺ هو النعمة العظمى معها

فجدير بالمؤمن أن يلهج بالحمد في ليله ونهاره، حامدًا ربه على نعمة الوحي والرسالة، عاملاً بالكتاب، متبعًا للرسول، ليكون له في الدنيا حياة طيبة، وفي الآخرة جنات النعيم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل