خاص الثبات
مرة أخرى، يعود دونالد ترمب إلى مسرح السياسة الدولية من على منبر الأمم المتحدة، لا ليمدّ يداً للسلام أو يعرض رؤية عقلانية للعالم، بل ليردد مزاعمه المعتادة المليئة بالتضليل والعجرفة، وكأنه لا يزال يدير فندقاً أو يفاوض صفقة عقارية – لا دولة عظمى!
في كلمته الأخيرة، زعم ترامب أنه "أنهى 7 حروب"، بعضها دام لـ30 عامًا. يا له من إنجاز خرافي لا يمت للواقع بصلة! فالحروب لا تُنهيها الخطب الرنانة ولا التغريدات النرجسية. أي حروب يتحدث عنها هذا التاجر الذي لم ير جبهة قتال إلا عبر شاشات التلفاز؟ هل يقصد العراق، الذي تركه على حافة الانهيار؟ أم سوريا التي ظل صامتاً أمام مآسيها؟ أم دعمه الأعمى لتحالفات دموية في اليمن؟
ترامب الذي يدعي أنه أوقف حرباً استمرت "12 يوماً" بين إيران و"إسرائيل"، يعاني إما من ضعف الذاكرة أو الهوس باختراع البطولات الزائفة. هذه الحرب لم تقع إلا في خياله، وإن وُجدت، فقد كانت مجرد عدوان صهيوني على ايران، بينما كان هو يمارس دوره المفضل: تأجيج النار ثم الوقوف جانباً لالتقاط الصور.
ثم يخرج ليقول: "بنيت أعظم اقتصاد في التاريخ"، وكأن العالم نسي كيف قاد الولايات المتحدة إلى أزمة اقتصادية وصحية غير مسبوقة خلال جائحة كورونا، تاركاً الملايين في البطالة والفقر، بينما كان يغرق في خطاباته العنصرية ومحاولاته لقلب نتائج الانتخابات.
ولم ينس أن يوجه الاتهامات الجاهزة لإيران، زاعماً دعمها للإرهاب، في الوقت الذي أغرق فيه الشرق الأوسط بأسلحة أمريكية، وأبرم صفقات بمئات المليارات مع أنظمة ديكتاتورية، فقط لتصب أرباحها في جيوب مصانع السلاح الأمريكية.
أما عن الأمم المتحدة، فيبدو أن ترامب لا يراها سوى "صالة مؤتمرات" تابعة لمؤسسته، يملي منها أوامره ويصدر منها وعوده الفارغة. هذا الرجل الذي احتقر التعددية الدولية، وانسحب من اتفاقيات المناخ ومنظمة الصحة العالمية، عاد اليوم وكأن شيئاً لم يكن، مدعياً قيادة "العصر الذهبي لأميركا"!
الحقيقة أن ترامب لا يجلب عصراً ذهبياً، بل زمناً من الزيف السياسي، وتضليل الرأي العام، وتحويل الدولة إلى شركة خاصة يديرها بمنطق الربح والخسارة.
أيها السادة، إن منبر الأمم المتحدة ليس مزاداً عقارياً، وليس منصة لتصفية الحسابات أو لتضخيم الأنا. إنه منبر للضمير العالمي، لا يليق أن يعتليه من يفتقر لأبسط مبادئ الحقيقة والاحترام المتبادل.
فترامب لا يزال هو ذاته: تاجر شعارات، وبلطجي سياسة، يستغل كل فرصة ليعيد صناعة أسطورته الشخصية المريضة، على حساب السلم العالمي، والحقائق، والعدالة.