محاضرة مناف طلاس جاءت متأخرة.. وغَاب عنها طُلَّاب الانفصال _ أمين أبوراشد

الجمعة 19 أيلول , 2025 05:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
 
قد تكون من النقاط الإيجابية التي تُسجَّل للعميد المُنشقّ مناف طلاس، أنه لم يتمَحوَر مع أيّ من الائتلافات السورية المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد، بل عزل الرجل نفسه منذ لجأ الى فرنسا، واعتزل الإطلالات الإعلامية التي أحرقت كل المعارضين، خصوصاً بعد أن انفرد بهم أحمد الشرع ودخل سوريا "فاتحاً" بدونهم، برعاية دولية وإقليمية، وأقصى عن المشهد كل أفراد وجماعات المنفى، واختصر الأطراف بشخصه، وحاول الاستحواذ بحُكم سوريا عبر مؤتمر وطني فولكلوري جعله لغاية الساعة والياً على "باب الحارة".

وأثارت محاضرة العميد مناف طلاس في كلية العلوم السياسية بباريس "سيانس بو" ضجة كبيرة، حيث استعرض أمام عدد من أبناء وبنات الجالية السورية في فرنسا، وعدد من الصحافيين الفرنسيين والأوروبيين، مشروعه السياسي والعسكري، الذي شمل المطالبة بإقامة جيش علماني غير فصائلي، وإقامة دولة علمانية سورية لجميع السوريين، رافضاً تقسيم سوريا الى دويلات. وبدا طلاس وكأنه تأخر في طروحاته، بل تأخر كثيراً، لأن ثلاثة استحقاقات حصلت في غيابه عن المشهدية الواقعية لسوريا الجديدة.

أولاً: تأخر طلاس عمَّا حدث في شهر آذار/ مارس الماضي، عندما وافق قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على دمج قواته بوزارة الدفاع السورية؛ في خطوة مشروطة للاندماج الكامل ضمن الدولة السورية، على قاعدة الحكم الذاتي للأكراد في شمال شرق البلاد، لكن شرط مظلوم عبدي لم يستطع أحمد الشرع تحقيقه، لأنه يقضي بالتخلص من الإرهابيين الأجانب الذين يحكمون مسيرة الشرع ويسكنون القصر معه ويحاول تجنيسهم مكافأة لهم، وبالتالي تفرملت اتفاقية الشرع - عبدي، واتجهت الأمور في مناطق الأكراد إلى منحى فدرالي تقسيمي.

ثانياً: تأخر طلاس عمَّا حدث أيضاً في آذار/ مارس، بالتزامن مع مفاوضات عبدي - الشرع، حين أقدمت قوات الأمن العام، ومعها فصائل "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا، مثل "العمشات" و"الحمزات" وسواهما، على ارتكاب المجازر بحق العلويين في الساحل السوري، بذريعة القضاء على فلول "نظام الأسد"، ومع استمرار الانتهاكات في الساحل، والتي شملت القتل والخطف والاغتصاب وتدمير المنازل وإحراق الممتلكات، تقرر على المستوى الدولي منح العلويين "دولة" تمَّ إعلانها لاحقاً باسم "وسط وغرب سوريا"، بتفاهم أميركي روسي، على أن تكون هذه الدولة إقليماً مستقلاً تحت الحماية الروسية.

ثالثاً وأخيراً وليس آخراً، تأخر طلاس عمَّا حدث في محافظة السويداء، خلال محاولة أحمد الشرع "تطويع" الدروز، وارتكبت قواته، ومعها بعض قوات البدو والعشائر، مجازر وانتهاكات بحق أبناء الطائفة الدرزية، فاقت تلك التي حصلت في الساحل، وما زالت لغاية الآن أكثر من 32 قرية درزية محترقة ومهجَّرة، فيما العائلات في المحافظة باتت تعتاش على المساعدات، عبر معبر  إنساني تتحكم به قوات الشرع التي تحاصر السويداء، إلى أن وصلت الأمور إلى فتح معبر من فلسطين المحتلة تحت عنوان "معبر إنساني"، وأعلنت "إسرائيل" دعم الدروز بالغذاء والماء والدواء والحماية الأمنية الكاملة، وانضمت السويداء بالتالي إلى مناطق الأكراد والعلويين في المطالبة بالانفصال التام عن سوريا.

وإذ أعلن العميد ، في محاضرته، عزمه العودة إلى سوريا، ليس طمعاً بالسلطة بل رغبة منه في المشاركة ببناء دولة، وإعادة تكوين جيش قوي نواته ستة آلاف ضابط من المنشقِّين عن النظام السابق، فإن التواصل الذي لم ينقطع بين طلاس وقائد "قسد" مظلوم عبدي مستمر، ومن السهل "نظرياً" إعادة تكوين "جيش اتحادي" بوجود قائدين كبيرين مثل طلاس وعبدي، لكن يبرز هنا السؤال الأكبر: هل من المسموح أميركياً و"إسرائيلياً" وتركياً بناء جيش سوري جديد؟ الجواب: كلا، لأن سوريا تنتظر مقاساتها السياسية الحديثة قبل أن ترتدي الزي العسكري الرسمي، والشرع لم ينتهِ من تمزيقها بعد، ليأتي من بعده الخلف الذي يدير أزمة الأقاليم المنفصلة عن المركز، وقد يكون الخلف مظلوم عبدي أو مناف طلاس أو أية شخصية سنِّية أخرى تنتمي لمدرسة "إسلام بلاد الشام"، كي تكون مقبولة من الغالبية السنِّية في سوريا ومن الأقليات التي كانت منسجمة مع بعضها في سوريا قبل هبوب رياح التكفير وقدوم أحمد الشرع.

في النتيجة، سوريا لن تعود تلك "المدينة الفاضلة"، لأن الجروح عميقة، والمفارقة أن الغالبية السُّنية دفعت وستدفع الأثمان أكثر من سواها، نتيجة ارتكابات بعض المحسوبين على أهل السنَّة، وعلى رأسهم أحمد الشرع، وإذا استمرت التقسيمات كما هي عليه حالياً، فإن حماه وتدمر ودمشق هي المحافظات الصحراوية الباقية لتكوين الإقليم السني "غير الشاطئي" وغير الخصب للاكتفاء الذاتي، وغير المسالم مع جيرانه، وإذا شاءت أية شخصية سنِّية إدارته، فهي ستتسلم إمارة دينية منعزلة معزولة لن يرضى العيش فيها أهل الشام أنفسهم قبل تطهيرها من التكفيريين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل