أقلام الثبات
في ذروة الضغوط على السلطات اللبنانية لدفعها الى مفاوضات مباشرة مع الكيان الصهيوني, بلا افق سيادي، وايضا أكثر من ذلك؛ في الجوهر, بحيث يتمحور المضمر حول اقتلاع لبنان من الموقف الطبيعي الصحيح، وتكبيله بحلف يمنعه من استعادة حقوقه السيادية الكاملة، وربط لبنان كليا في منظومة التوحش الاميركي – "الاسرائيلي" كأداة طيعة تحول القوى اللبنانية العسكرية الى حرس حدود للاحتلال.
يروج الاميركيون عبر منظومة سياسية – اعلامية محلية ملاذها مشروع "السلام" اعلى الطريقة "الاسرائيلية" بعدما فقدت الفئة المذكورة الثقة بالهوية كما بالنفس، لتجد نفسها غارقة في مستنقع اجترار ما يمليه الاميركيون من توجهات وافكار مشينة بحق لبنان الوطن ارضا وشعبا ومؤسسات, وكأنها قدر لا يرد.
لقد جاء تصريح المبعوث الأميركي - المعلقة مهمته - توم براك الاخير, مادة جديدة للتهويل بالثبور وعظائم الامور عبر الدفع, والترويج الى مفاوضات مباشرة مع المحتل مهما كان شكلها , وبلا شروط , لان "اسرائيل قد تتحرك عسكريا من جانب واحد إذا استمرت الحكومة اللبنانية" فيما وصفه "التردد بتنفيذ قرارها بحصر السلاح بيد الدولة "، معتبرا أن نزع سلاح حزب الله لا يشكّل مطلبا أمنيا "إسرائيلياً" فحسب، بل يمثل "فرصة للبنان للتجديد"، والا ستكون العواقب "خطيرة للغاية"، والجناح العسكري للحزب سيكون في مواجهة كبرى مع إسرائيل في حين سيواجه جناحه السياسي عزلة محتملة مع اقتراب انتخابات عام 2026- وأن أي تأجيل قد يشعل فتيل فوضى عارمة ويزيد من تفكك النظام السياسي الهش أصلا، مع خلاصة محورية لبراك مفادها: أن التعاون ليس ضمانا للسلام لكنه الطريق الوحيد نحو تفادي الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة.
لم ينظر هؤلاء الى التصريحات والاوراق السابقة التي تمخضت عنها "عبقرية" التاجر الاميركي "الملهم" التي اشتراها البعض بتنازل عن السيادة والكرامة الوطنية سواء من بعض اصحاب السلطة والقوى المرتبطة بالغلو الاميركي ونتج عنها قرارا 5 و7 اب الشهيرة وكادوا يحدثون فتنة وطنية حاصرها العقلاء والوطنيون كما حكمة قيادة الجيش.
يغيب الفتنويون الذين يدعون الى المفاوضات مع المحتل, والمهرولون الى "سلام" مجهول الاثمان سوى الخنوع, ان حكومة بنيامين نتنياهو رفضت الورقة الاميركية رغم اطاعة حكومة نواف سلام ووضع المقترحات الاميركية على "العين والراس" وهو ما أعلنه الرئيس نبيه بري بان "مسار التفاوض المقترح بين لبنان واسرائيل قد سقط بسبب رفض تل ابيب التجاوب مع المقترح الاميركي وبالتالي ليس هناك من مسار تفاوضي الا عبر اللجنة الخماسية – اي - "الميكانيزم".
من غرائب التضليل الدعائي في تبرير المفاوضات , ولو من دون افق ما , وفقط التفاوض للتفاوض بمعنى التذلل المطلوب اميركيا , بان الفلسطينيون في غزة استسلموا وقبلوا بتسليم السلاح , وطبعا هذا لم يحصل ولم توافق عليه حركة حماس رغم وروده في الاتفاق المعلن في شرم الشيخ مع رفض اي وصاية , وطبعا تجاهل كل الاتفاقات التي المبرمة وبرعاية وضمانات دولية وخصوصا اميركية بين السلطة الفلسطينية وحكومات اسرائيل من اوسلو الى واي ريفر الى الاتفاقات الامنية ووقف الاستيطان , وازالة بعض المستوطنات والافراج عن المعتقلين والاسرى ,, الخ,,
والاكثر غرابة ان بعض الامثلة السخيفة التضليل , ان الاميركيين فاضوا الفيتناميين , لا بل أصبحوا على علاقات دبلوماسية واقتصادية عالية , متجاهلين انه لم يبق احتلال اميركي في فييتنام , واستعادت فيتتنام كامل سيادتها , ولم تفرط بدماء ابنائها وتضحياتهم , بينما لا تزال فلسطين محتلة , وكذلك اجزاء من الاراضي اللبنانية .
في الواقع ان الخطورة ابلغ وأعمق بكثير , والابعاد تتعلق بالانتماء الى الوطن , وليس بمشروع تجاري يراهن البعض ان تصهينهم او تأمركهم على يد مبعوثين يمنحهم فرصة الاستثمار في منطقة تريد اميركا وتل ابيب اقتطاعها من جنوب لبنان , تكون منطقة اقتصادية حرة , لا سيادة للبنان عليها , وقد تتوسع تدريجيا , إذا لم افرد اللبنانيون جناح الذل والهوان , مقابل وعود ابليسية تاجها المال , ومسح السيادة بأرجل متعددة الجنسية.
وعليه , فان الاوضاع مفتوحة على احتمالات متناقضة , لكن يبدو ان المعركة الداخلية ستكون قاسية على المستوى الثقافي , مع نشر التأمرك والتصهين كحالتي انتماء اكان بالخفاء , او بالعلن, في الاحساس , او غباء وفي كل الاحوال , هم في الواقع يتحركون في الاتجاه الذي يخدم مصالح عدوهم الحقيقي والمشروع الفتنوي تحت شعار ضرورة التفاوض , و"اسرائيل" ليس لها اطماع وأنها تريد "السلام".