وعود العهد العشوائية ــ عدنان الساحلي

الجمعة 19 أيلول , 2025 09:42 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
        يتورط رئيس الجمهورية جوزاف عون بمواقف ووعود، أو يورطه فيها مستشاروه، مع أنه يعرف هو قبل غيره أنها غير قابلة للتحقق؛ ودونها أهوال وصدام مع القوى الفاعلة في لبنان؛ ومع حماتها ومحركيها في الخارج، لكنه ربما نتيجة بعض أفكاره، أو بسبب سوء اختياره مستشاريه الذين يكتبون له خطبه ويناقشونه في تصريحاته قبيل إطلاقها، يعرّض نفسه للنقد المحق في معظم الأحيان.
       آخر وعود الرئيس العماد العشوائية، كانت خلال لقائه عدداً من سفراء لبنان في الخارج، قبيل التحاقهم بمراكز أعمالهم، حيث خاطبهم بقوله: "من واجبكم أن تكونوا رسلاً للبنان الدولة الواحدة الموحدة، الحاضنة لجميع مكونات المجتمع اللبناني، بلا أي تمييز طائفي أو حزبي".
      والرئيس عون، باعتباره قائداً سابقاً للجيش، يعرف عن قرب أن التمييز الطائفي والمناطقي قائم في لبنان، منذ أن أنشأت فرنسا "دولة لبنان الكبير"، لتكون المناصب والمواقع الرئيسية فيه من حظ الطوائف المسيحية والموارنة تحديداً. وأن كل التغييرات التي حدثت بعد حوادث دموية، طوال مائة عام، لم تلغ هذا التمييز. إذ سبق للراحل كمال جنبلاط ان وصف الحكم في لبنان، أيامه، بانه "ضابط ماروني ورتيب سني والباقي عسكر".
      والتمييز ليس الأمر فقط في الرئاسات الثلاث، المخصصة لثلاثة طوائف بعينها، مع أن لبنان يضم ثماني عشرة طائفة دينية، ومن حق كل لبناني أن يكون رئيساً للجمهورية أو لمجلس النواب أو للحكومة، وليس التمييز فقط في احتكار طوائف بعينها لمناصب عسكرية وأمنية وإدارية ومالية وقضائية، ومنعها عن كل لبناني لا ينتمي إلى الطائفة المحتكرة، لكن الفضيحة أن التمييز بين اللبنانيين، الذي لا يتقبله عقل ومنطق، أن نائباً يدخل إلى مجلس النواب بثقة الفي صوت انتخابي، فيما نائب آخر يفوز برصيد أربعين الف صوت؛ والإثنان عضوان متماثلي الصلاحيات والتمثيل، لأن احدهما بسمنة طائفية ومناطقية مرجحة؛ والآخر بزيت طائفي ومناطقي مستبعد. لا بل أن النائب الحاصل على ألفي صوت عالي الصوت والنبرة، يشكك بوطنية وبتمثيل النائب الحاصل على عشرات ألاف الأصوات، في مسخرة ديموقراطية لم يشهدها بلد غير لبنان. فهل بإمكان الرئيس جوزاف عون مواجهة القوى والمرجعيات الطائفية، التي منعت تطبيق اتفاق الطائف طوال أكثر من ثلاثين سنة، بحجج واهية؛ والزامها بإلغاء الطائفية السياسية وطائفية الوظائف الرسمية، ليكون لبنان كما يقول "دولة واحدة موحدة، حاضنة لجميع مكونات المجتمع اللبناني، بلا أي تمييز طائفي أو حزبي"؟
      وسمع اللبنانيون خطاب الرئيس عون في قمة الدوحة العربية - الإسلامية الأخيرة؛ وهو يقول انه يتحدث باسم كل لبنان، فهل كان هناك في الدوحة من ينازعه النطق باسم فئة منهم؟ وهل يشعر الرئيس أن شرعيته غير مكتملة ليخبر الرؤساء العرب والمسلمين أنه يتحدث باسم كل لبنان؟
   طبعاً لا يجوز القفز عن تصريح الرئيس عون في اوائل أيام رئاسته، عندما انتقد ما اعتبره فشل السلاح في الدفاع عن لبنان؛ وانه سيعتمد المقاومة الدبلوماسية بديلا عن السلاح، لكن بيان الجيش اللبناني أمس، أكد هشاشة وفشل الدبلوماسية الرئاسية، لأن العدو نفذ منذ وقف إطلاق النار العام الماضي، أكثر من 4500 اعتداء، براً وبحراً وجواً، أوقعت مئات الشهداء والجرحى ودمرت مبان وممتلكات، أمام عيني عون ورئيس حكومته والوزراء، ناهيك عن فشل دبلوماسية الدولة المضيفة، قطر، التي لم تحميها من العدوان "الإسرائيلي".
كذلك، لا يمكن تجاهل تصريح الرئيس عون عن بشير الجميل، فبشير نقطة خلاف عميقة بين اللبنانيين، بعضهم يعتبره بطلا دافع عن المسيحيين؛ والبعض الاخر يعتبره عميلاً وخائناً، تعاون مع العدو "الإسرائيلي" وانتخب رئيساً للجمهورية بحماية دبابات الاحتلال "الإسرائيلي"، وهو مثل بقية قيادات ميليشيا الأحزاب المشاركة في حرب العام 1975، مسؤول عن أعمال قتل وخطف ومجازر وتهجير، فكيف ينحاز عون لفئة لبنانية، ضد فئات هي أكثرية اللبنانيين، التي حاربت ضد ميليشيات الجميل، التي انشقت لاحقاً عن حزب الكتائب واصبح اسمها "حزب القوات"، التي يسجل لها حربها ضد الجيش وقتلها لضباطه وجنوده؟
وطالما أن الرئيس عون منحاز فئوياً، على عكس توجيهاته للسفراء، يسجل له ولرئيس حكومته نواف سلام، تجاهلهما لذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا؛ وكأن ضحاياها الذين تخطوا الثلاثة آلاف ضحية مدنية، ليسوا بشراً، مع أنهم خليط من الفلسطينيين واللبنانيين.
     كذلك، تجاهل عون وسلام ذكرى عدوان "البيجر"، الذي نفذه العدو "الإسرائيلي"؛ وطال أكثر من أربعة آلاف لبناني بين شهيد وجريح. فهل أن رئيسا الجمهورية والحكومة يخشيان ان يسجل عليهما موقف تضامن مع المقاومين، ام ممنوع عليهما أميركياً وسعودياً، إدانة الجرائم "الإسرائيلية"؟
وهل يدري صاحب العهد أن هكذا مواقف وسياسات، تعني أن العهد سقط سياسياً وقطع الأمل بتكوين شرعية شعبية له، قبل أن يكمل سنته الأولى؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل