أقلام الثبات
بات بديهياً ان الشرق لطالما اظهر عورات اي نظام عالمي, سيما ان شعوب المنطقة وجغرافيتها دوما ما تدفع الاثمان عن سابق انبطاح من الانظمة المتسيدة منذ بعد حرب تشرين 1973 والقبول الاعمى بالقرار 242 و338، اللذين لم يريا اي جدية في التنفيذ, كما القرارات السابقة، مثل القرارين 181 و194 المتخذَين من جانب النظام العالمي الناشئ عن الحرب العالمية الثانية قابل زرع الكيان الصهيوني في قلب المنطقة، وسواها من القرارات التي دوّنها مجلس الامن والامم المتحدة في سجلات علاها الغبار الاميركي السام، ومحصنة في ارشيف ممنوع من الدخول والاطلاع , او حتى التداول فيه .
بناء عليه , ولاسيما بعد تمزيق ما تبقى من اشكال التضامن العربي حتى الصورية منها ,جراء حروب ما يسمى بالربيع العربي كأحد تجليات النظام العالمي الذي تريد الولايات المتحدة فرضه بأيد محلية وتأبيده على المنطقة مع تغيير ادوات التنفيذ حسب الحاجة, يمكن فهم الخلاصة التي توصل اليها قادة العرب والمسلمين الرسميين من ملوك وامراء وسلاطين وشيوخ الربع ,ورؤساء , في قمة الدوحة التي لم تكن اكثر من وقفة تضامن خلبية مع قطر ,وهو ما اظهره البيان الختامي , خصوصا ان دققنا فنجد ان غالبية الحاضرين من المتملقين , وبعضهم ممن يكنون الكراهية العمياء لقطر, لأسباب واسباب بينها التنافسي مثل "الضراير" في الحظوة المطلوبة, لدى الولايات المتحدة كرجل متعدد الزوجات.
لم يرق البيان الختامي عن العدوان "الإسرائيلي" الأخير على قطر الى مستوى الحدث، مع تكرار اللازمة الثقافية بوصفه بـ"الهجوم الغاشم والجبان غير الشرعي" الذي يمثل اعتداء صارخا على دولة عربية إسلامية عضو في الأمم المتحدة، ويقوّض أي فرص لتحقيق السلام في المنطقة، وأن العدوان "الإسرائيلي" على الأراضي القطرية يشكل تصعيدا خطيرا واعتداء مباشرا على الجهود الدبلوماسية الرامية لاستعادة السلام، لاسيما أن الهجوم استهدف مقرات سكنية مخصصة لوفود المفاوضات في إطار جهود الوساطة. كما أكد أن استهداف موقع محايد للوساطة لا ينتهك سيادة قطر فحسب، بل يعرقل عمليات صنع السلام الدولية، محملا "إسرائيل" كامل المسؤولية عن التبعات
اما ما يثير البهجة لدى مصدري البيان دون غيرهم القول :"أكد القادة المشاركون تضامنهم المطلق مع دولة قطر، معتبرين أنّ أي اعتداء عليها هو اعتداء على جميع الدول العربية والإسلامية، ومشددين على دعم كل ما تتخذه الدوحة من إجراءات لحماية أمنها وسيادتها وسلامة مواطنيها".
كل ما احتواه بيان القمة العاجلة لا يعدو كونه تكرار وصفيا , في كل مناسبة وسمعنا وقرأنا مثيلات متعددة له من احتلال فلسطين , حتى الحرب الابادة المستمرة وكأنه المعزوفة نفسها على اسطوانة مشروحة , تجعل الظن غير آثم , بان المراد يكمن في مزيد من تيئيس الذين يحملون في دواخلهم من الشعوب العربية امالا نابضة بتحرير امة العرب من الكسل والوهن والخضوع للإرادة الاميركية , رغم ان جميع الحكام , المزروع منهم والمهجن ادرك بعمق ان لا صديق للولايات المتحدة في العالم , ولو اضاء لها ولرئيسها ولإدارتها كلها الكون بالنط والغاز العربيين .
قبل ان يجف حبر البيان اعلنت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها مارك روبيو وهو بجانب أكبر سفاحي الاجرام بنيامين نتياهو انه "من الجائز أن نضطر إلى عملية عسكرية مركزة" في غزة في الوقت الذي اعترف فيه نتنياهو بأن" إسرائيل باتت في عزلة سياسية دولية، وقال إنه "سنصطدم بحواجز معينة في التجارة العالمية، ونحن في عالم متحدٍ جدا"، وإن "المسلمين الذين هاجروا إلى أوروبا تحولوا إلى أقلية كبيرة وصوتها مسموع. وهذا يرضخ الحكومات هناك في قضية غزة، وهم يرفضون الصهيونية".
بمعنى من المعاني ان اجتماع الدوحة معطوفا على كلام روبيو بدا وكأنه بطاقة خضراء لنتنياهو للاستمرار في التدمير والقتل بلا توقف ,وبكل بساطة لان البيان العربي مكتوب بثقافة التذلل والمداراة المسموح بها صوريا من العم سام الذي لا يدخل في حساباته اي وزن للدول العربية ولاسيما الخليجية التي تدفع الجزية كل يوم لاعتقاد قادتها ان واشنطن هي الحامية لعروش ذابلة .
ان النخب الاميركية ليست مذهولة من الانبطاح العربي امام الادارة الاميركية بعد العدوان النجس على قطر لعلمه ان الادارة الاميركية والرئيس ترامب شخصيا كانوا على علم مسبق بالعدوان قبل تنفيذه بخمسين دقيقة ,كانت كافية لوقف عمل الرادارات التي تلتقط اي طائرة او هدف جوي , وليس فقط عدم ابلاغ الشريك القطري المستهدف الا بعد عشر دقائق من حدوث العدوان الذي كان صار معلوما في الكرة الارضية كلها .
من هنا يتهكم بعض النخب الاميركية بالقول "إذا لم نستطع منع حليف من مهاجمة حليف آخر، فما جدوى أن نكون قوة عظمى؟ إذا لم نستطع ضمان استمرار مفاوضات السلام دون أن يقصف أحد الطرفين مفاوضي الطرف الآخر، فأي وسيط نحن؟ إن الحقيقة المزعجة هي أن دور "إسرائيل" المدمر في المنطقة سيستمر حتى يتم كبح جماحها، وهناك دولة واحدة فقط قادرة على كبح جماحها: الولايات المتحدة، ونحن نوفر الأسلحة والغطاء الدبلوماسي والدعم المالي الذي يُمكّن إسرائيل من الهيمنة الإقليمية. ومع هذا الدعم تأتي المسؤولية، ليس فقط عن أمن "إسرائيل"، بل عن عواقب أفعالها أيضاً.
وإلى أن تصبح الولايات المتحدة مستعدة لتحمل هذه المسؤولية بجدية، ستتكرر مشاهد مثل ضربة الدوحة. وفي كل مرة، ستتآكل مصداقيتنا كوسيط موثوق، وستتداعى علاقاتنا مع حلفائنا الآخرين. في مرحلة ما، علينا أن نقرر: هل نحن قوة عظمى عالمية تُحاسب جميع الأطراف، أم أننا ببساطة مُمَكِّنون "لإسرائيل"؟
بلا شك ان العدوان على قطر انما هو رسائل متعددة سيما ان نتنياهو هدد دولا لم يسمها بشن ضربات جديدة ويقول الكاتب "الإسرائيلي" البارز أميت سيغال، في هذا المجال "إن هجوم نتنياهو على قطر كان موجهًا ضد تركيا"، كما ان الحملة في وسائل الاعلام "الاسرائيلية" على مصر تشي بما يمكن ان تتحول الى عدوان يحاول المصريون ان يتجنبوه كما تجنبت قمة الدوحة الانتقال الى صياغة فعل واحد ولو كان ضئيلا .
"يرى الكثيرون ان العدوان "الإسرائيلي" على قطر قوض الثقة بالولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذ بدأ حكام الخليج ربما يدركون أن الاستثمارات الضخمة والمشتريات العسكرية الهائلة لا تقيهم من هجمات إسرائيل". كما من أبرز نتائج الخلاصات المستقاة أن الأميركيين فقدوا مكانتهم في نظر الغالبية الساحقة من الدول الإسلامية التي طالما وضعت كل بيضها في السلة الاميركية وسكتها المؤدية الى تل ابيب .
كان يمكن اقله في قمة الدوحة الا يكون التوجه الى الولايات المتحدة باعتبارها خشبة الخلاص , او التدرؤ من العدوان الذي ستكرر ومطالبتها بالضغط على نتنياهو لان الجميع يدرك ان اميركا لن تفعل الصواب، لان مشروعها اوسع بكثير وهو نظام عالمي جديد لا مكان للإنسانية فيه، بعد ان سقط النظام الاحادي الذي امتطى الديمقراطية والحرية , واسس عبر الحروب والتوتير الى النظام المأمول اميركيا , وهو شريعة القوة بالسلاح المدمر .
يبدو ان منطقة الشرق الاوسط التي طالما كانت اول من يخوض التجربة ومرارتها ستكون المسرح كما هي الان , لكن لتحديد عورات النظام الجديد الذي تريده اميركا ,, وستواجه.