الثبات-إسلاميات
من دقائق التشريع الإسلامي أنه لم يترك شاردة ولا واردة في شؤون الأسرة إلا وضع لها ضابطاً يحقق المودة والرحمة
وقد تناول القرآن الكريم حالةً قد تعترض الحياة الزوجية وهي نشوز الزوجة، فجاء الخطاب الرباني واضحاً: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾
هذه الآية الكريمة لم تفتح باب البطش، وإنما وضعت علاجًا متدرجًا:
موعظةٌ ترقق القلب
ثم هجرٌ في المضجع يوقظ الشعور
ثم ـ عند الضرورة القصوى ـ ضربٌ خفيفٌ غير مبرّح، لا إهانة فيه ولا إذلال ولا يُصار إليه إلا عند عدم نفع العلاجين الأولين، أما أن يضرب الرجل زوجته لغير مبرر أو قبل العظة والهجر أو يجعل ذلك عادة مستمرة فإنه يُثبت بذلك حماقته وجهله بالدين
ثم ختمت الآية بتحذير بليغ: ﴿فلا تبغوا عليهن سبيلا﴾، أي إن عادت المرأة إلى طاعة ربها وزوجها فليس للرجل أن يظلمها بعد ذلك، لأن الله يرانا ولاقوة قاهرة لقوته فهو القوي العزيز العلي الكبير
غير أن بعض الأزواج أساؤوا فهم الرخصة، فاتخذوا الضرب عادةً وسبيلاً، حتى كثرت شكاوى النساء
وهنا يأتينا صوت النبوة عاليًا، يقرع الأسماع ويحفظ للمرأة كرامتها فقد روى أهل السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لقد طاف بآل محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن، وإيم الله ما أولئك بخياركم))
إنها شهادة نبوية صريحة أن الذين يسيئون معاشرة نسائهم ويضربونهن بغير حق، ليسوا من خيار الأمة ولا من أهل المروءة فالخيرية ليست في القوة والسطوة، بل في الرفق واللين، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))
وهكذا تتكامل الآية مع الحديث:
الآية تضع منهجًا تشريعيًا دقيقًا يضبط معالجة النشوز، فلا يترك الأمر لأهواء الرجال
الحديث ينهى عن التوسع في استخدام الضرب، ويُظهر أن المكثرين منه من شرار الناس، لا من خيارهم
إن الإسلام ـ وهو دين الرحمة ـ لا يرضى أن تكون البيوت ميدان قسوة، بل يريدها جنة مودة وسكينة ولئن رُخِّص في الضرب بشروط صارمة، فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أسمى وأرقى، إذ ما ضرب امرأة قط، فكان قدوةً للرحمة وصورةً للإنسان الكامل وكان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن.