أقلام الثبات
فاز المشروع الأمريكي بنقاط ربح إضافية في اجتماع الحكومة يوم أمس، الذي أقرّ خطة الجيش لتنفيذ قرارات "نزع السلاح" التي اتخذت في جلستي الخامس والسابع من آب. وتمت صياغة البيان بحيث يستطيع الطرفان، الحكومة والمقاومة، تأويله وفهمه بما يتوافق مع أمانيهم ورغباتهم، لكن بقيت بعض الثوابت التي لا يمكن تجميلها أو تأويلها لصالح المقاومة، بل لصالح الحكومة، وفق التالي:
- أكدت الحكومة على قراراتها السابقة "بنزع السلاح" وحصريته بيد الدولة دون أي تعديل أو تراجع أو تجميد، وفق المهل التي حددتها سابقًا دون الحاجة لتكرارها.
- نسفت الحكومة تفسير المقاومة "لاتفاق تشرين" حول حصر نزع السلاح في جنوب الليطاني، وانحازت إلى التفسير "الإسرائيلي" -الأمريكي بنزع السلاح في كل لبنان، ابتداءً من جنوب الليطاني وفق خطة الجيش التي أقرتها الحكومة، ومتابعتها بتقارير شهرية.
- أصدرت الحكومة "حكمًا غيابيًا" بنزع السلاح وملاحقة المقاومين، بعد انسحاب الوزراء الشيعة الذين يمثلون المقاومة، وطلبت من الجيش والقوى الأمنية تنفيذ الحكم، وتم نشر القرار في الإعلام والمحاكم لمصادرة السلاح وما يتعلق به وإلقاء القبض على المقاومين بصفتهم مطلوبين للقانون والعدالة عند الاستطاعة، وتحوّل المقاومون إلى "خارجين عن القانون" - "طفّار" جدد يضافون إلى "الطفّار" الذين تطاردهم الدولة في البقاع منذ عقود!
- تستمر الحكومة بتنفيذ الورقة الأميركية بشكل أحادي دون انتظار توقيع "إسرائيل" وسوريا، كما تنص الورقة، وتحاول الالتفاف على غياب التواقيع، بالتصريح أن مشروع حصرية السلاح مطلب لبناني، يتقاطع مع المطالب "الإسرائيلية".
- تبذل الحكومة كل جهودها وتصدر قراراتها لحصار المقاومة، دون أي تحرك فعلي، لإلزام العدو "الإسرائيلي" باتفاق تشرين أو بالورقة الأميركية، مع إدانات، خجولة لإدانة العدو "الإسرائيلي".
ليس عيبًا أن نخسر معركة أو نفشل بتغيير الوقائع السياسية والعسكرية، بسبب عدم توازن القوى بيننا وبين أمريكا وحلفائها، لكن ليس من الصواب المكابرة وعدم الاعتراف بالحقائق والوقائع ومحاولة تجميل الخسارة والتنازلات والفشل في تغيير المطالب وتصويرها انتصارًا.
علينا الاعتراف بأننا فشلنا في موضوع الاعتراض على قرار نزع السلاح، ولم نعمل على إسقاطه بالشكل الذي يتناسب مع خطورته ولا زلنا نؤمّن شرعية هذه السلطة التي تنفذ المشروع الأمريكي - "الإسرائيلي"، ثم نمنع الناس من التحرك في الشارع أو ندعو للتحرك ونتراجع عنه بعد ساعتين، بالتلازم مع ترك 100,000 "مهجّر ومُبعد لبناني" من أهل المقاومة في العراء، دون الالتفات إلى مشاكلهم ومعاناتهم، بشكل حقيقي لا على المستوى الرسمي ولا الحزبي ولا الديني، مما سيصيب المجتمع المقاوم بالضعف وعدم القدرة على الصمود بسبب الترهيب والقصف "الإسرائيلي" وإهمال المسؤولين بقصد أو غير قصد.
فشلنا سياسيًا حتى الآن ولا تؤشر الأمور إلى تغيير إيجابي في المستقبل، وخسرنا معركة في الميدان وواجبنا الصمود وعدم الاستسلام أو الانهزام، ولا زلنا نمتلك الكثير من أوراق القوة التي تستطيع قلب المعادلة لصالحنا، ولابد من مراجعة هادئة عاقلة لإدارة المعركة الصعبة التي نقاتل فيها وحيدين، بعدما انقلب علينا الحلفاء والأصدقاء في لبنان وخسرنا سوريا وتخلّى عنا الأقربون في الميدان، مما ضغط على قيادات الثنائية بشكل استثنائي ،لم تستطع تغيير مجريات الأمور بشكل كبير نتيجة ضعف القدرات. وجل ما تستطيع فعله تأمين بعض "المسكّنات المؤقتة "بانادول" سياسي وإعلامي، لتمرير المرحلة بأقل الخسائر، لكن هذا النهج سيزيد من خسائرنا ويضيع إنجازاتنا ويهدد مستقبلنا.
لا بد من البدء بخطوات عملية على المستوى السياسي والشعبي ،لكبح جماح وتهور السلطة السياسية ولردع بعض "الأطراف" من الأحزاب والشخصيات اللبنانية التي تتصرّف على أننا مهزومون وعاجزون عن إلحاق الأذى بهم، مما يشجعهم على التطاول علينا وعلى عقيدتنا وحقوقنا وكراماتنا.
إن التاريخ يؤكد أن حركات المقاومة لا تنتظر اعترافًا من السلطة التي تواجهها ولا من العدو الذي تقاتله، بل تفرض الوقائع والشروط، كما فرضتها المقاومة في اجتياح عام 82. ولابد من تكرار التجربة وعدم التأخر بالرد قبل فوات الأوان... ونحن قادرون بإذن الله... وفي أسوأ النتائج ،لن يأخذوا السلاح بدون دفع خسائر لا يريدون دفعها!
لقد أصدر الحكم لقتلنا... فهل نفرح لأنهم لم يحدّدوا موعد الاغتيال.
أصدرت الحكومة حكمًا غيابيًا بنزع السلاح... فلماذا تصفقون؟ _ د. نسيب حطيط
السبت 06 أيلول , 2025 01:09 توقيت بيروت
أقلام الثبات

