أقلام الثبات
لم تمضِ أيام على إعلان إذاعة الجيش "الإسرائيلي" أن ضابطاً رفيعاً في شعبة الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية"، تم التعريف عنه باسم العميد "ش" وهو قائد وحدة 9900، قام بتأليف كتاب حول شخصية الأمين العام لحزب الله السيد الشهيد حسن نصرالله، وتناول فيه موضوع اغتياله، وهذا الضابط يتولى منذ عامين قيادة وحدة الاستخبارات البصرية في الوحدة 9900، وقد كتب مسوَّدة الكتاب الذي يتألف من نحو 500 صفحة، خلال إجازة دراسية حصل عليها قبل اندلاع الحرب، ثم استكمل تأليفه خلال الأشهر الأخيرة بعد تنفيذ عملية اغتيال السيد نصرالله، بينما لا يزال يشغل منصبه الحالي في شعبة الاستخبارات، ويحمل الكتاب عنوان: "نصرالله – أسطورة لم تمت".
اللافت في الأمر أن هذا يُعدّ سابقة في "إسرائيل"؛ أن يقوم ضابط يشغل موقعاً حساساً في المؤسسة الأمنية، بتأليف ونشر كتاب في خضم الحرب، وقد أثار ذلك تساؤلات حول دوافع النشر في هذا التوقيت، خاصة أن الحرب لا تزال مستمرة، ويُنظر إلى الكتاب كحدث غير معتاد في ظل هكذا ظروف، إلا إذا كانت الاستخبارات الصهيونية ترغب بتمرير رسائل، وتعتبر مثل هذا الكتاب جزءاً من عتاد الحرب النفسية على دول محور المقاومة، وعلى اللبنانيين بشكلٍ خاص، بعد أن نجحت "إسرائيل" - مع الأسف - في تحويل الصراع من "إسرائيلي" - لبناني، إلى لبناني - لبناني حول حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، فيما يتبارى خصوم المقاومة وجماعة السفارات ومُرشَّحو الانتخابات النيابية 2026، في التهديف على حزب الله وسلاح المقاومة عبر فضائيات "الأخضر الأميركي".
صدقت النائب بولا يعقوبيان، من دون قصد، وأحسنت القول هي التي لا تُحسِن الخطاب الوطني: أن المشكلة ليست في سلاح حزب الله بل في عقيدته.
وسؤالنا لها على بساطته، هو من جزئيتين:
أنتِ أرمنية، هل سألتِ إخوانك وأخوتنا الأرمن، لماذا يُحيُون ذكرى الإبادة الأرمنية على مدى مئة عام؟
والجزئية الثانية: أنتِ حفيدة أجداد "استشهدوا" منذ مئة عام، هل تساءلتِ لماذا أبناء عقيدة عمرها 1400 عام، ما زالوا كل عام يحيون عاشوراءهم؟
ليتكِ ما نطقتِ يا سعادة النائب النائبة، وإذا كان المطلوب منا الإجابة نقول: نعم مشكلتك مع عقيدتهم، ولا حل لهذه المشكلة ما دام أحفاد "يزيد" يتزايدون في هذا العالم.
وكي نُجيب عن السؤال الكبير حول سبب نشر كتاب "نصرالله - أسطورة لم تمُت" من قِبَل ضابط "إسرائيلي" ما زال على رأس عمله، نكتفي بما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها عام 2006 بعنوان: "العالم العربي وجد اسطورته في زعيم حزب الله"، نقلت فيه عن مسؤول عربي كبير لم تُسمِّه، وصفه للسيد الشهيد بأنه "الشخص الأقوى في الشرق الاوسط"، وأنه "الزعيم العربي الوحيد الذي يفعل ما يقوله فعلاً"، وأضاف التقرير، أنه البطل الذي لعب دوراً مهماً في تعزيز الهوية العربية والإسلامية في المنطقة، وعلى وحدة العالم العربي في مواجهة التهديدات الخارجية، عبر دعمه لحركات المقاومة في فلسطين وسوريا واليمن وبلدان عربية أخرى، واستطاع بخطابه أن يحيي الشعور بالفخر والثقة بالنفس لدى الشعوب العربية، وأن يُظهِر بأن المقاومة ضد الاحتلال والظلم ليست ممكنة فحسب، بل إنها قد تؤدي إلى النصر أيضاً، وهو حقق ذلك فعلاً عامي 2000 و 2006.
وبما أن الكاتب العميد "ش"، كان قد باشر وضع مسودة كتابه أثناء إجازة دراسية قبل الحرب وخلالها، وقبل اغتيال السيد الشهيد، فهو بعد الاغتيال وضع عنوان هذا الكتاب، واعترف أن هذا الرجل هو الأسطورة التي لم تمُت، ربما لأن الكاتب يُدرك، أن الشهيد ينتمي لمدرسة قامت على رفض الظلم ومقاومة الظالم على مدى 14 قرناً من استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.
وحيث أن هذا الكتاب حديث الصدور باللغة العبرية، ولم يتسرَّب ملخصات عنه لغاية الآن، حول فحوى المواضيع التي تناولها، فإننا نكاد نجزم أنه رسالة صهيونية حربية من نوعٍ آخر، تماماً كما المناشير التي اعتادت الطائرات رميها على "الحشود المُعادية" دون القدرة على إحداث أي تغيير في حسابات المعادلة.
هنا لا بد لنا، من التساؤل، بصرف النظر عن الانقسام اللبناني حول سلاح المقاومة، وآخر دلالاته انسحاب الوزراء الشيعة الخمسة من جلسة الحكومة يوم الجمعة 5 أيلول، نتيجة إصرار رئاسة الحكومة على المضي في بحث بند حصرية السلاح وفق رؤية لا تراعي الواقع الداخلي والإقليمي ومخاطره على لبنان، خلال جلستيها في 5 و 7 آب الماضي، فقد اختصر الوزير محمد حيدر الوضع بعد انسحابه من الجلسة بالقول: لم ننسحب من الحكومة، ولدينا اعتراض على بند معيَّن، ونحن في الأساس طالبنا باستراتيجية دفاع وطني، والعدو "الإسرائيلي" لا ينفِّذ أمراً، بينما المطلوب منا تنفيذ كل الأمور.
وهنا لا بد من نصيحة لمن يهدرون الوقت في لبنان، من سياسيين وإعلاميين، أن لا سحب لسلاح المقاومة قبل تنفيذ خطوات مماثلة من الجانب الآخر، وانسحاب "إسرائيلي" مبرمج من النقاط الخمس في الجنوب اللبناني، وترسيم الحدود البرية، وعودة عشرات الآلاف من أبناء القرى الحدودية المهجَّرة إلى بيوتهم وأرزاقهم، خاصة بعد طروحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول استحداث خط بعمق 8 كلم يلتهم 25 قرية لبنانية لمشاريع وهمية شبيهة بمشروع "ريفييرا غزة".
في الخلاصة، نعود إلى كتاب "نصر الله - أسطورة لم تمُت" ونقرأ باللبناني، على من يعتقد بأن من السهل على جماهير المقاومة تسليم السلاح قبل تحرير الأرض وضمان الحدود جنوباً وشرقا وشمالاً: إن شعباً لم يُعايش الحسين ويحيي ذكرى استشهاده قبل 1400، كيف له أن يساوم على شهادة حفيد الحسين الذي صنع أساطيراً في مدرسة الشهادة، وكان أباً للشهداء وعوائل الشهداء، ولم تمضِ سنة واحدة على شهادته، وما زالت خطبه تصدح في القلوب والضمائر ذخيرة للمقاومة وذخراً للمقاومين، وهو الأسطورة التي لم تمُت ولن تموت.