لبنان بين الطاولة والميدان: أيّ قرار يحكم السيادة؟

الجمعة 05 أيلول , 2025 12:25 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

تُعقد جلسة مجلس الوزراء هذا الجمعة في قصر بعبدا تحت عناوين إدارية ظاهرًا، لكنها تخفي في باطنها اختبارًا سياسيًا خطيرًا لموقع لبنان في خارطة الصراع، ولسقف السيادة التي لطالما كانت محل تجاذب داخلي وخارجي.

أبرز ما في جدول الأعمال ليس مشاريع الكهرباء أو البيئة أو المالية، بل مقترح آلية زمنية لتسليم ما تبقى من أدوات القوة الوطنية إلى مؤسسات الدولة. والحديث هنا، وإن تلطّى خلف عبارة "حصر السلاح"، فإن المقصود فيه واضح: المقاومة اللبنانية، التي لم ترفع السلاح عبثًا، بل رفعته يوم تخلّى العالم عن لبنان في وجه الاجتياح، وواجهت وحدها ما عجزت عنه الجيوش والمجالس والقرارات الدولية.

محاولة التفاف... بل قرار بالوكالة

منذ أسابيع، بدأت مؤشرات ضغط إقليمي تتكثف، من أبو ظبي إلى القاهرة، مرورًا بعواصم عربية تمارس دور "الوسيط" بيد، وتمدّ اليد الأخرى لتصفية حسابات مع خيار المقاومة. هذه العواصم نفسها، التي هرولت نحو التطبيع، تحاول اليوم فرض تصورات أمنية على لبنان لا علاقة لها بخصوصية الواقع اللبناني، ولا بالتجربة التي صنعت توازن الردع جنوبًا.

فالمقاومة لم تُولد من فراغ، بل من خيبات الداخل وخذلان الخارج، وها هم اليوم يعودون لمحاولة شطبها من المعادلة، لكن هذه المرة بـ"أدوات لبنانية"، وتحت عنوان "خطة ينفذها الجيش".

ولكن، أي جيش؟

الجيش الذي وقف كتفًا إلى كتف مع المقاومة في معركة فجر الجرود؟

الجيش الذي يعرف في عمق عقيدته أن العدو واحد، وأن صون السيادة لا يكون بالاستسلام، بل بالتكامل؟

بعد كل هذا هناك أسئلة تطرح:

من يضمن، إن نُزعت هذه الورقة من يد لبنان، أن العدو سيتراجع؟

من سيمنع الطائرات الإسرائيلية من خرق الأجواء يوميًا؟

من يضمن أن نكون في مأمن، إن خسرنا ذراعنا الدفاعي الوحيد؟

الجيش، بكل احترام واعتزاز، يبقى مؤسسة وطنية جامعة. لكنه لم يُجهّز، لا سياسيًا ولا تسليحيًا، ليواجه عدوًا يملك أكبر ترسانة في المنطقة. والمجتمع الدولي الذي يطلب نزع سلاح المقاومة، لم يزوّد الجيش يومًا بصاروخ دفاعي واحد.

ليست نهاية العالم... لكنها ليست بداية الخلاص

جلسة 5 أيلول لن تكون نهاية حقبة، ولن تؤسس لواقع جديد. فالمعادلة أبعد من جلسة حكومية، وأعمق من تصويت هنا أو نقاش هناك. إنها جزء من تجاذب إقليمي أكبر، بين مشروعين:

مشروع يراهن على "أمن مقابل تبعية"، وآخر يراهن على "كرامة مقابل تضحية".

لبنان، كما تعلّمنا من تاريخه، لا يُحكم بالقرارات المُعلّبة، ولا بالخطط المستوردة. السيادة لا تُمنح، بل تُنتزع. والكرامة لا تُشترى، بل تُصان بالتكلفة التي يعرفها أبناء الجنوب والشمال والبقاع، وكل الذين قدّموا فلذات أكبادهم لا ليتحولوا إلى عبء، بل ليكونوا درعًا لوطن.

الختام: ما لا يُقال في الجلسات

قد يُصوّت الوزراء، وقد يختلفون، وقد تُؤجَّل الخطة أو تُعَدّل، لكن الحقيقة التي لا يجرؤ كثيرون على قولها هي أن لبنان لا يزال في عين العاصفة، وأن المقاومة ليست "مشكلة تحتاج إلى حل"، بل نتيجة طبيعية لغياب الدولة حين كانت البلاد تُنهب وتُجتاح وتُقسّم.

فليُسأل من يطالب اليوم بنزع عناصر القوة:

أين كانت الدولة عندما دُنّس الجنوب؟

أين كانت الدولة عندما خُطفت الأرض؟

ومن أعاد التوازن، إن لم تكن المقاومة؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل