"نوبل" بين ترامب وماكرون.. وفلسطين حجر الزاوية - يونس عودة

الخميس 04 أيلول , 2025 09:15 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

على وقع حرب الابادة المتواصلة فصولا, وحرب التجويع والتعطيش غير المسبوقة في التاريخ , والشراكة والدعم الاميركي اللامحدود للكيان الصهيوني في كأداة للهيمنة على المنطقة ,بما فيها من ثروات بالقوة الغاشمة, تنطلق الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم في نيويورك في 23 الجاري، تحت عنوان ”معا نحقق الأفضل: ثمانون عاما وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان".

على مدى عمر الامم المتحدة شهد مدارات العالم حروبا بأشكال متفرقة، في غالبيتها تحمل طابعا استعمارياً واحتلالات مباشرة او عبر قواعد عسكرية , او سيطرة اقتصادية ,  او استيلاد ادوات في الحكم تكون طيعة بيد الغزاة, الذين يأتون من خلف المحيطات , مثل الولايات المتحدة ,بذريعة انهم وحدهم يملكون الحل من اجل تكوين سلطات ونظام اجتماعي ديمقراطي فيه من الحرية والسيادة ما لا يملكه الاخرون، ولكن تبقى مأساة الشعب الفلسطيني الذي بات يعبر عنه  بالقضية الفلسطينية بلا حل رغم ان المأساة انجبتها الامم المتحدة من خلال منح يهود قي بلاد العالم ارضا فلسطينية ليقيموا عليه دولة بأهداف توسعية استيطانية خلافا لقرار تقسيم ارض فلسطين وانشاء دولتين , القرار (181)منذ 77 عاما .

منذ 77 عاما لم تتمكن الامم المتحدة من تطبيق قرار صادر عنها رغم انه قرار يمنح "اسرائيل" ما لا يحوزه اصحاب الحق والارض، والاحتلال توسع , وحصلت مبادرات ومفاوضات , وتحول دول العرب الى منصات تعمل لصالح الممانع الاول لقيام دولة فلسطينية , الا وهو الولايات المتحدة الاميركية .
الولايات المتحدة اليوم كشريك كامل الاوصاف في حرب الابادة على الشعب الفلسطيني وعلى العدوان المستمر على لبنان وسوريا ,اعلنت رفضها القاطع للمبادرة الفرنسية التي اعلنها الرئيس ايمانويل ماكرون بالاعتراف في دولة فلسطينية كخطوة لحل الصراع المتصاعد منذ انشاء الكيان الغاصب بحضانة غربية، ولا سيما بريطانية، على ارض فلسطين، وبالتالي الوصول الى تسوية لأعقد قضية في العالم , حيث لاقت العدالة مصرعها على ايدي الغرب , ولو ان بعض الدول الغربية تحاول التكفير عن خطاياها المتمادية من خلال الاعلان انها تريد الاعتراف بدولة فلسطينية , مثل بريطانيا، المرتكب الاول للخطيئة التي تبناها الغرب كعقيدة سياسية وانسانية.
بغضب كبير قابلت "إسرائيل" ومسؤولوها تلميحات وتصريحات ماكرون المتكررة بشأن تلك المسألة، والذي بلغ درجة توجيه الشتائم إلى الرئيس الفرنسي من قبل يائير نتنياهو نجل رئيس الوزراء "الإسرائيلي".

لقد ايد ماكرون حق الفلسطينيين في إقامة دولة تعيش بسلام إلى جانب "اسرائيل" , رغم ان الرئيس الفرنسي أبعد ما يكون عن أن يوصف بأنه "صديق للفلسطينيين" في وقت تصنف فيه بلاده واحدة من أكبر الداعمين "لإسرائيل" سياسيا وعسكرياً، حتى أنها لم تتوقف عن توريد الأسلحة إليها وسط الإبادة الجماعية الجارية في غزة , لكن موقف ماكرون في الاعتراف المنوي بدولة فلسطينية الذي يثير العديد من التساؤلات ,اثار اغضب قادة الاحتلال الذين وجهوا شتائم لماكرون وفرنسا وصولا الى الدعوة لتفتيت فرنسا مثلما قال نجل بنيامي نتنياهو , يائير: "اللعنة عليك (في إشارة إلى ماكرون)، نعم لاستقلال كاليدونيا الجديدة، نعم لاستقلال بولينيزيا الفرنسية، نعم لاستقلال كورسيكا، نعم لاستقلال بلاد الباسك، نعم لاستقلال غويانا الفرنسية "، والأكثر من ذلك أن يائير نال دعماً صريحاً من والده بعد هذا "التجاوز الدبلوماسي" الفج، حيث وصفه بأنه "صهيوني حقيقي يهتم بمستقبل دولته".

موقف باريس على وجه التحديد أثار صخباً متميزاً ، بحيث ستكون فرنسا الأولى ضمن مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي تعترف بفلسطين، ويُخشى أن يتسبب ذلك في تدحرج كرة الثلج ولحاق دول أخرى بالركب، خصوصاً بريطانيا التي يواجه رئيس وزرائها كير ستارمر, ضغوطا كبيرة من حزبه للإقدام على هذه الخطوة، وكذلك المانيا بالفعل, وربما بسبب رفض الشعوب الاوروبية لحرب الابادة ودعوة حكوماتهم للاعتراف بدولة للشعب الفلسطيني , اضافة الى المشكلات الاقتصادية المتفاقمة بين الدول الغربية عموما والاوربية جراء توسع الهيمنة الاميركية التي تعاندها فرنسا والمانيا وبريطانيا , لأنها اغرقتهم في ازمات اقتصادية كما كل العالم.

رغم أن ماكرون حرص على تغليف خطوته تلك بطابع قيمي قائلا إنها تنطلق من التزامات التاريخية لتحقيق السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط وأنها أضحت ضرورة ملحة بسبب الحاجة لإنهاء حرب غزة وإنقاذ المدنيين فإن هناك الكثير من الدوافع السياسية والشخصية التي تبرر قرار الرئيس الفرنسي"..

لعل أبرز الدوافع هي فتح كوة للرئيس الاميركي دونالد ترامب ليعمل على وقف حرب الابادة وهو الذي طالما ردد انه يريد ان يوقف الحروب ويقيم السلام , وبدا ان ذلك مجرد ايهام في عملية تطبيق السياسة الاميركية الجاحدة والقاتلة , كما انها قد تكون عاملا مهما بان الرفض الاميركي للاعتراف بدولة فلسطينية , يسفر عن بشاعة السياسات الاميركية ما يفقد واشنطن شعبية عالمية طالما توهم اصحابها ان اميركا هي الحل بينما في الواقع هي المشكلة، ولا سيما ان الرئيس ترامب يلهث من اجل الحصول على جائزة "نوبل للسلام".
لا شك ايضا ان باريس طالما كانت قوة سياسية فاعلة في الشرق الأوسط بعد إبعادها - عمداً - لعقود على يد الولايات المتحدة، ولبنان أكبر الشواهد بحيث انصاعت السلطات اللبنانية الى الاملاءات الاميركية , ولم تستمع الى النصح الفرنسي , بضرورة التمسك بمندرجات وقف إطلاق النار , وليس القفز فوقه لورقة اميركية تفرض الانصياع الكامل ومن دون ضمانات ولو شكلية او شفوية.

في المقابل، فان الولايات المتحدة تعمل على افشال اي خطوة تردي الى استقرار , وتواصل سياسة التمزيق لمنع اصحاب الحق من ممارسة أدنى حقوقهم السياسية والإنسانية والاقتصادية , ولذلك ليس غريبا ان تقدم على منع الوفد الفلسطيني برئاسة محمود عباس من الحصول على تأشيرات لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة في مخالفة قانونية خطيرة بالمقاييس الدبلوماسية وذلك استجابة لوزير الخارجية الإسرائيلي، غدعون ساعر، بحث الخميس الماضي في واشنطن مع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إجراءات إضافية ضد السلطة.

وبين الإجراءات التي بحثها ساعر مع روبيرو، وفقا للتقرير، سحب تأشيرات دخول قادة في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى احتمال "موافقة أميركية على خطوات تتعلق بفرض السيادية الإسرائيلية في الضفة الغربية".

وتأتي هذه الخطوات لمواجهة توجهات فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا ودول أخرى، للإعلان خلال الدورة المقبلة للجمعية العامة في أواخر أيلولر عن اعترافها بالدولة الفلسطينية، فيما قد تؤجل بعض الدول إعلانها إلى موعد لاحق.

بلا شك، فرنسا تحاول العودة الى المشهد الاقليمي من البوابة الفلسطينية كرافعة تحمل حاليا مأساة غير مسبوقة تنقلها الشاشات مباشرة من خلال حرب الابادة والتجويع التي تنخرط فيها الولايات المتحدة , ورئيسها حتى النخاع، وإذا نجح ماكرون من خلال مبادرته تحقيق الاعتراف في الامم المتحدة في استقطاب دول اخرى للاعتراف بالدولة الفلسطينية يصبح مؤهلا قانونا للحصول على جائزة نوبل للسلام مقابل ترامب الذي اظهر للعالم فشله في العمل على السلام .

من المتوقع ان يزداد عدد الدول التي ستعترف بالدولة الفلسطينية وهي تبلغ اليوم 147 دولة من أصل 193 تتكون منها الامم المتحدة , بينما اسرائيل معترف بها ككيان 165 دولة , وهذا لا يعني شيئا إذا لم يطبق على ارض الواقع لان قرار الامم المتحدة التقسيمي رقم 181 يعترف بدولة فلسطينية، وبحدود أكثر من حدود 4 حزيران 1974.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل