أقلام الثبات
تعمل "إسرائيل" وفق استراتيجية إذلال العملاء والحلفاء والأدوات، وعدم مكافأتهم على تنازلاتهم وخدماتهم، سواء كانوا دولاً أو رؤساء أو ملوكاً أو أحزاباً أو علماء دين أو أفراداً، ولا تثق بهم، لأنها لا تثق بغير اليهودي أولاً، ولأن من خان وغدر بوطنه وشعبه وطائفته وأهله لا يمكن الوثوق به.
تخلّت السلطة الفلسطينية عن أهلها المظلومين في غزة ومنعت التظاهرات المؤيدة لهم وحمّلت المقاومة مسؤولية القتل والدمار، لتبرئة الاحتلال "الإسرائيلي"، وتعاونت أمنياً مع العدو وحاصرت واعتقلت المقاومين في حرب تطهير الضفة التي شنتها "إسرائيل"، بالتلازم مع حربها على غزة، وانتقلت السلطة الفلسطينية للتعاون الأمني مع "إسرائيل" إلى لبنان، فبادرت لطرح تسليم السلاح الفلسطيني في المخيمات لإحراج المقاومة في لبنان وإظهارها الطرف الوحيد المتمرّد على الشرعية الدولية والسلطة اللبنانية، مع فارق كبير وعدم تساوي بين السلاح اللبناني المقاوم وبين السلاح الفلسطيني، ومع ذلك لم تشفع تنازلات سلطة الضفة في سوريا ولبنان والضفة، فصفعتها أميركا ومنعت عنها تأشيرات الدخول للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة، وسارعت "إسرائيل" للتصويت في الكنيست على إعادة ضم الضفة الغربية وغور الأردن، وإنهاء ما أنتجته اتفاقيات "أوسلو" قبل أكثر من 30 عاماً، وإنهاء مشروع الدولة الفلسطينية.
والسؤال للسلطة السياسية في لبنان وللأحزاب والطوائف والزعماء السياسيين الذين يسيرون على نهج "سلطة الضفة"، ويصرّون على نزع السلاح المقاوم، وقد صفعهم "نتنياهو" وركلهم، فلم يوقّع الورقة الأميركية التي وقعتها السلطة ثم أعلن ضم لبنان (بطوائفه وأرضه كلها إلى إسرائيل الكبرى): هل نسي اللبنانيون ما فعلته "إسرائيل" بعناصر جيش لحد العميل الذي استخدمته أكثر من 20 عاماً ،لحماية أمنها ثم انسحبت دون إبلاغه وأقفلت البوابات الحدودية بوجه عناصره وعائلاتهم وأسكنت من استقبلت منهم في مخيمات نبذهم المجتمع "الإسرائيلي"، لأنهم عملاء ومسيحيون،
هل نسي اللبنانيون، والمسيحيون خاصة، كيف تركت "إسرائيل" القوات اللبنانية الحليفة لها مُحاصرة في "دير القمر"، وانسحبت من الجبل وتركت الدروز يهدّدون المسيحيين الذين تحالفوا مع "إسرائيل" ونقلهم في الباصات؟
هل نسي اليمين المسيحي ماذا قال عنهم رئيس مجلس الأمن القومي "الإسرائيلي" السابق؛ الجنرال غيورا آيلند: تبين أن "الكتائب" فاشيون وعنصريون، تنظيم جبان وخائن؟
لماذا تصر السلطة السياسية في لبنان مع بعض الأحزاب والمسؤولين السياسيين والمؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية للحلول محل "جيش لحد" ضد المقاومة والانحياز للعدو "الإسرائيلي" والقتال معه لوضع المقاومة بين فكي كماشة، أحدهما العدو "الإسرائيلي" وثانيهما السلطة السياسية التي لا يمكن قبول تبريرها بأنها مضطرة للتنفيذ تحت الضغط الأميركي والعربي؟
تاريخ أميركا و"إسرائيل" يؤكد أنهما غير أوفياء لخدمهم وأدواتهم ويتخلّيان عنهم بعد تنفيذ مهامهم، والأمثلة كثيرة وحاضرة، وآخر مثالين "السلطة الفلسطينية والسلطة الجديدة في سوريا" كنموذجين قدّما كل شيء للعدو الإسرائيلي، لكنه لم يتوقف عن قصفهم وفرض شروطه واحتلال الأرض السورية وإعادة ضم الضفة الغربية.
فهل من عاقل في لبنان يستمر في التنازلات وحصار المقاومة التي تمثّل القوة التي يملكها لبنان ويمكن أن تتكامل مع الجيش والسلطة السياسية والشعب اللبناني لتشكيل منظومة دفاع وحماية للبنان من الأطماع "الإسرائيلية" التاريخية، بدل قتل المقاومة التي تحرس لبنان وتمنع "إسرائيل" من استباحته، وتجعلها حاضرة في قرارات القصر الجمهوري والسرايا الحكومي وكل المقرات الأمنية دون الحاجة لدخول الدبابات والجنود. يقول المثل: "من جرب المجرّب... كان عقله مخرّب"، ومن يجرّب "إسرائيل" يكون مجنوناً أو عميلاً، وفي كلا الحالتين لا يمكن طاعته، فإن كان مجنوناً، يجب عزله، وإن كان عميلاً يجب سجنه.