خاص الثبات
يشكّل ما قدّمه اليمن من تضحيات على طريق نصرة القدس وفلسطين علامة فارقة في التاريخ العربي والإسلامي الحديث، حيث سطّر موقفاً نادراً، بل فريداً، بوصفه أول بلد عربي يقدّم حكومة كاملة شهيدة في سبيل القضية الفلسطينية، وقضايا الأُمّة الكبرى، وفي طليعتها معركة الدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات وغزة، ورفض الهيمنة الصهيونية والغربية على شعوب المنطقة.
ما حدث لا يُعدّ فقط حدثاً سياسياً أو أمنياً، بل هو موقف عقائدي وإنساني وأخلاقي بامتياز. فقد آثرت قيادة اليمن أن تكون في مقدّمة الصفوف، في زمنٍ تخلّت فيه أغلب الأنظمة عن مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية، بل وذهبت بعضها إلى مربع التطبيع والارتماء في أحضان العدوّ.
هذا الموقف اليمني، الذي بلغ ذروته بالتضحية بحكومة كاملة، لا يمكن قراءته إلا كإعلان واضح أن اليمن اليوم بات يتقدّم الصفوف في مشروع مواجهة الاستكبار، ويؤكد أحقيّته برفع راية الجهاد والدفاع عن الأمة ومقدساتها، ويضعه في موقع القيادة الأخلاقية والروحية لمعركة التحرير.
الشهداء الذين ارتقوا لم يكونوا مجرّد موظفين رسميين أو قيادات إدارية، بل كانوا خلاصة رجال الدولة الذين اختاروا أن تكون مناصبهم ميادين خدمة حقيقية للقيم والمبادئ، لا كراسي للترف والسلطة. لقد قدّموا أنفسهم نماذج راقية في الوطنية والعروبة والوفاء لقضايا الأمة، وبذلك باتوا شهادة حيّة في وجه حكومات عربية وإسلامية ما تزال تراوح مكانها، أو تسير في الاتجاه المعاكس لمصالح شعوبها وتاريخها.
لقد قدّمت صنعاء شهداء من الصف الأول، كما قدّمت من قبل الرئيس الشهيد صالح الصماد، لتكتب بذلك صفحة ناصعة من الفداء والالتزام، وتُحرج الأنظمة التي ارتضت لنفسها أن تكون خارج معركة الكرامة.
وهكذا، فإن اليمن، وهو يصنع هذا النموذج غير المسبوق، يرسّخ حضوره كقلب نابض في وجدان الأمة، وكصوت حرّ في وجه مشاريع الاحتلال والتطبيع والهيمنة، ويؤكّد من جديد أنه شعب لا يرضى إلا أن يكون في موقع المسؤولية التاريخية، مهما كانت التضحيات.