الثبات-إسلاميات
إنّ الفرح والسرور بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرّد عادة اجتماعية أو مناسبة تاريخية، بل هو في جوهره شهادة حب واعتراف بفضلٍ عظيم أنعم الله به على الإنسانية، إذ أرسل إليهم خاتم الأنبياء رحمةً وهدى قال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ ولا فضل أعظم ولا رحمة أجلّ من بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو القائل سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾
الفرح بمولده فرح بالرسالة لقد فرح الصحابة رضي الله عنهم بكل ما يتعلّق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعدّون النظر إليه نعمة، ومجالسته سعادة
قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه يصف مولده الشريف:
وأنت لمّا وُلِدت أشرقت الأرض *** وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي النور *** وسبل الرشاد نخترق
فإذا كان فرحهم يفيض عند النظر إليه، فكيف لا يفيض عند تذكّر يوم ولادته، الذي كان بداية خروج الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد؟
النصوص الدالة على مشروعية الفرح:
جاء في الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين، ولما سُئل عن ذلك قال: ((ذلك يوم وُلدتُ فيه، ويوم بُعثتُ أو أُنزِل عليّ فيه)) وهذا دليل واضح على مشروعية تذكّر يوم المولد والفرح به، شكرًا لله على هذه النعمة العظمى
وقد أقرّ النبي صلى الله عليه وسلم فرح أعدائه بمولده، فقد روي أن أبا لهب لما بُشّر بولادته صلى الله عليه وسلم أعتق جاريته ثويبة، فخفف الله عنه العذاب كل يوم اثنين جزاءً على ذلك [رواه البخاري].
فإذا كان هذا الكافر نال تخفيفًا بفرحه بميلاده، فكيف بالمؤمن الموحد الذي يفرح ويشكر الله على نعمة الإسلام بمحمد صلى الله عليه وسلم؟
معنى الفرح المشروع: إن الفرح بمولده صلى الله عليه وسلم ليس مقصورًا على الزينة الظاهرة، وإن كانت مطلوبة بل هو فرح يتجلّى في:
إحياء سنته واتباع هديه
الإكثار من الصلاة والسلام عليه
تلاوة سيرته العطرة ونشرها بين الأجيال
شكر الله تعالى على نعمة الرسالة والهداية
وهذا كله يكون باجتماع في المساجد والساحات يذكر الناس بذلك فهو دعوة خير واجتماع بركة
فالفرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم مشروع ومعقول ومحمود، لأنه فرح بالنعمة الكبرى، والمنة العظمى، كما قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ فما أعظمها من منّة، وما أجلّه من مولد، يوم أشرقت الأرض بنور محمد صلى الله عليه وسلم، فحقّ للأمة أن تفرح، وحقّ للقلوب أن تسرّ، وحقّ للألسنة أن تلهج بالصلاة والسلام عليه آناء الليل وأطراف النهار.