أقلام الثبات
تُعدّ عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أداة محورية في إدارة النزاعات الدولية وتعزيز الاستقرار الإقليمي، لكنها، وكما كل الأجهزة المرتبطة بالأمم المتحدة، تواجه تحديات تعكس مصالح القوى الكبرى الفاعلة على الصعيد العالمي.
وفي معرض التجديد لقوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان، تُظهر النقاشات الدائرة في مجلس الأمن تداخلاً واضحاً لمصالح الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، مع الاعتبارات الأمنية الإقليمية، ولا سيما ما تسعى إليه "إسرائيل" من تغيير لواقع الأمور على الأرض.
تتسارع المفاوضات بين الولايات المتحدة وفرنسا، التي تتولى صياغة قرار مجلس الأمن، بهدف التوصل إلى صيغة توافقية بشأن تمديد ولاية قوة اليونيفيل لمدة 12 شهراً إضافية، في وقت يطالب فيه الأميركيون بإنهاء عمل تلك القوات وسحبها من جنوب لبنان، بينما يسعى الفرنسيون إلى إيجاد صيغة تضمن استمرار مهمتها، وتشير تقارير إلى ضغوط "إسرائيلية" على الجانب الأميركي لدفعه نحو إنهاء مهمة هذه القوة.
وبالنظر إلى أن النقاشات حول دور اليونيفيل منذ بعد حرب تموز 2006، ارتبطت بمحاولات تشكيل "قوة متعددة الجنسيات" وليس قوات حفظ سلام تقليدية. وبما أن النقاش يتجدد حول طبيعة عمل اليونيفيل وحرية حركتها، خصوصاً في فترة التجديد السنوي لها، ويرتبط دوماً بمحاولة توسيع مهامها، يمكن النظر إلى الخلاف الحالي على أنه انعكاس لأهداف إسرائيلية أوسع، أبرزها:
1. رفع سقف الشروط والتهديد بسحب القوة الأممية للضغط على لبنان لمنح اليونيفيل حرية حركة كاملة تشمل المداهمات ونزع السلاح دون مرافقة الجيش اللبناني، وهو هدف لم يتحقق منذ عام 2006. الضغط الحالي يهدف الى وضع لبنان أمام خيارين: القبول بتوسيع مهام اليونيفيل أو مواجهة انسحابها وما يترتب عليه من تبعات.
2. إعادة تشكيل قواعد الاشتباك في الجنوب اللبناني بحيث تتحول اليونيفيل، في حال استمرار عملها، إلى أداة مراقبة لصالح "إسرائيل" مع صلاحيات عملياتية أوسع، تتجاوز التفويض الممنوح لها بموجب القرار 1701.
3. تقليص الدور الأوروبي في لبنان لصالح النفوذ الأميركي و"الإسرائيلي"، من خلال إضعاف قوة تعتمد أساساً على مساهمات أوروبية (فرنسا، إيطاليا، إسبانيا).
4. سحب القوة الدولية تماماً لترك الجيش اللبناني أمام ضغوط متزايدة من الأميركيين والغربيين، بما يخدم تحويله إلى قوة وظيفتها الأساسية حماية الأمن الإسرائيلي.
5. اختبار جاهزية الجيش اللبناني وجرّه إلى صدام داخلي في حال انسحاب اليونيفيل، عبر تحميله عبء المواجهة على الحدود مع "إسرائيل" أو مع حزب الله، ما قد يؤدي إلى استنزافه.
6. التمهيد لمواجهة عسكرية مستقبلية من خلال إزالة أي مراقب دولي قد يحدّ من حرية الحركة "الإسرائيلية" في الجنوب اللبناني عند اندلاع حرب جديدة.