أقلام الثبات
يغيب اليسار اللبناني، بعنوانه العام والشيوعي، بشكل خاص عن ساحة الصراح مع العدو "الإسرائيلي" على المستويات العسكرية والفعاليات السياسية والإعلامية بعد وقف عملياته العسكرية منذ تحرير الجنوب عام 2000.
يعيش "الشيوعيون" في دائرة ردة الفعل السلبية، بسبب إبعادهم وحرمانهم من غنائم تحرير الجنوب على مستوى الانتخابات النيابية او التعيينات الوزارية او حتى البلديات والهيئات وهم الشريك الأساسي في المشروع المقاوم منذ بدء الاجتياح "الإسرائيلي" عام 1982 باسم "جبهة المقاومة الوطنية" وقبلها عبر القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية وربما يفاخر الشيوعيون بأنهم أول من أطلق المقاومة الشعبية اللبنانية مع حزب البعث العربي في سبعينيات القرن الماضي باسم "الحرس الشعبي".
يتصرّف الشيوعيون، بشكل خاص، بردة فعل سلبية، حدود الشماتة او عدم الحزن على ما أصاب المقاومة في لبنان او النظام في سوريا ،باعتبار انهم لم يكونوا مستفيدين من هذه المنظومة طوال 30 عاماً، بل يتصرفون على انهم كانوا ضحاياها وهي التي منعتهم ان يكونوا كما الحزب القومي السوري شركاء في السلطة وغنائمها في الإدارة او البلديات ،مما جعلهم في موقع الفرح لزوالها والانتقام وعدم التعاون معها وقت الشدّة والحصار، مما أصاب الشيوعيين بالخسارة المعنوية والمبدئية، فإذا كانت مشكلتهم مع "الثنائية الشيعية" خصوصاً، باعتبار ان قاعدتهم الحزبية العريضة والواسعة ،ضمن الطائفة الشيعية وبالتالي فان حصتهم الوظيفية والنيابية والوزارية وفق التوزيع الطائفي ستكون من حصة "الشيوعيين الشيعة" الذين لم يستفيدوا لأن الثنائية احتكرت هذه الحصة الشيعية، كما احتكرها الحزب التقدمي عند الدروز.
لكن السؤال الذي نوجهه للإخوة في اليسار اللبناني، خصوصاً الشيوعيين: هل يبرّر ما تفترضونه ظلماً وحصاراً من المقاومة ان تتنكروا لكل تاريخكم النضالي المقاوم ضد العدو "الاسرائيلي"؟
هل يبرّر إبعادكم عن مغانم السلطة أن تقفوا على الحياد في معركة تقرير المصير للمنطقة العربية، بأكملها وتهديد الكيان اللبناني وجعله محمية أميركية والاستباحة "الإسرائيلية" والسلطة اللبنانية التي عيّنتها أميركا؟
هل تعتقدون أنه إذا انهزمت المقاومة وانتصر المشروع الأميركي ستنجون من الملاحقة او الاغتيال، مادمتم لا تزالون في موقع العداء "لإسرائيل" وأميركا.. أم انكم سَتنهزمون وتؤيدون نزع السلاح والتطبيع والسلام مع "اسرائيل" حتى تتمكنوا من النجاة؟
إذا انتصر المشروع التكفيري في المنطقة وتمدّد خارج سوريا، فهل سيكون لكم وجود سياسي او حتى الأمان، والتجربة السورية حاضرة أمامكم وكل الأحزاب الشيوعية العربية تخبركم عن مصيرها؟
الحرب الأميريكية - "الإسرائيلية"، وبدعم عربي، تستهدف جميع الوطنيين، مهما كانت أحزابهم او عقائدهم وطوائفهم ومذاهبهم سواء كانوا شيوعيين او إسلاميين او ناصريين او قوميين او حتى أفراداً ، مما يستوجب على كل القوى الوطنية ان تتضامن وتتوحّد ،لمواجهة هذا المشروع ،حماية لنفسها أولاً ولحماية للمشروع الوطني، وسيخسر الجميع غنائم السلطة من احتكرها أو من مُنعَت عنه ،لأنه إذا لنتصر المشروع الأميركي - "الإسرائيلي" فستكون الغنائم لأتباعه وانصاره.
فلتبادر القوى الوطنية اليسارية والإسلامية والعلمانية والمستقلة لعقد "مصالحة طارئة" كما حدث بعد اجتياح 1982، فبعد المعارك بين حركة "أمل" والشيوعيين الفلسطينيين توحّد كل المقاومين بمواجهة العدو وتعاونوا ميدانيا دون النظر لخلافات الماضي.
ندعو لتعاون مشترك وبناء منظومة مقاومة وطنيه شاملة، يمكن ان تكون نواةً، لمقاومة عربية على مستوى المنطقة، لتجميع القوى الضعيفة التي تملكها قوى المقاومة وبناء قوة ، يمكنها الصمود أمام مشروع "إسرائيل الكبرى" و"الشرق الأوسط الأميركي الجديد".
لا نجاة ولا أمان ولا مستقبل ، لأي وطني شريف، سواء قاوم او أعلن الحيادة او استسلم، حتى الذين استسلموا وصاروا عملاء وقدّموا التنازلات في الأرض والمواقف، فإن أسيادهم الأميركيين والإسرائيليين لن يبقوهم على الساحة وسيتخلّصون منهم او يتركوهم لمصيرهم ، بعد انتهاء مهمتهم، كما فعلوا مع جيش "لحد" وعملاء أميركا وبريطانيا في العراق وأفغانستان وفيتنام.
فلتبادر القوى الوطنية للمصالحة والتعاون قبل فوات الأوان، حفظاً لتاريخها وشهدائها ومستقبلها، ويمكن ان يكون تنظيم احتفال مشترك بين المقاومة واليسار تكريماً للمناضل "جورج عبد الله" بوابة المصالحة.
"اليسار" اللبناني... والحياد السلبي _ د. نسيب حطيط
الإثنين 25 آب , 2025 10:48 توقيت بيروت
أقلام الثبات

