أقلام الثبات
مرَّ خبر احتمال تأجيل الانتخابات البرلمانية في سوريا مرور الكرام على الشعب السوري، تماماً كما مرور "ممر داود" من تل أبيب الى السويداء، تحت عنوان "معبر إنساني" من منطقة الكرمل، بحيث يغدو كامل جنوب البلاد؛ من جبل الشيخ إلى القنيطرة ودرعا والسويداء، منزوع السلاح، بل على فوهة السلاح "الإسرائيلي" المباشر، رغم دخول قوات من الأمم المتحدة إلى محافظة السويداء للإشراف على انسحاب قوات الشرع، إضافة إلى ضمان وصول المساعدات المعيشية؛ تطبيقاً لاتفاق باريس بين وزير خارجية السلطة السورية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية "الإسرائيلي" رون ديرمر، برعاية المبعوث الأميركي طوم باراك.
الانتخابات التي كانت مقررة ما بين 15 و20 أيلول المقبل، ارتأى الشرع تأجيلها لأن تداعيات أحداث السويداء فرضت ذلك، علماً أن الشعب السوري لن ينتخب أصلاً، لأن "برلمان الشرع" تم تعديل مقاعده من 150 عضواً إلى 210 أعضاء، على قاعدة تعيين 70 عضواً فيه من أحمد الشرع نفسه، وباقي الأعضاء ال140 تختارهم لجنة شكَّلها أحمد الشرع نفسه!
وكي لا يتم تحميل محافظة السويداء ما لن ترضى بحمله، حول تأجيل الانتخابات /التعيينات البرلمانية في سوريا، لأنها باتت خارج أي ارتباط سياسي ولو فيدرالي مع دمشق، وهي أعلنت الانفصال عن سوريا بانتظار الإعلان اللاحق عن السيناريو والإخراج، وبالتالي فإن منطقة الأكراد في الشمال الشرقي ممثلة بقوات سوريا الديمقراطية(قسد) هي التي فرملت كل الخطوات "التوحيدية" التي يسعى إليها الشرع، وقد شرح زعيم قسد مظلوم عبدي وجهة نظره رسمياً للولايات المتحدة، وأسباب عدم تطبيق اتفاق الاندماج ضمن المؤسسات السورية، ومن ضمنها وزارة الدفاع.
مظلوم عبدي كان واضحاً في سرد رفض "قسد" تنفيذ الاتفاقية التي سبق له أن وقَّعها مع الشرع في شهر آذار الماضي، أن هيئة تحرير الشام ما زالت قائمة، رغم الإعلان عن حلِّها لصالح وزارة الدفاع، وأنها تضمّ عناصر متشددة أكثر من عناصر تنظيم "داعش"، ولا يُمكن للأكراد الانسجام والتأقلم مع عناصر متطرفة، سيما أنهم دفعوا الآلاف من القتلى والجرحى في مواجهتهم منذ العام 2011.
وإذا كانت اتفاقية مظلوم عبدي مع الشرع قد بقيت حبراً على ورق، نتيجة الممارسات الإجرامية لسلطة دمشق في الساحل والجنوب بحق العلويين والدروز، فإن السويداء ستسبق مناطق الأكراد في الانفصال، كأول كيان مستقل عن سوريا، وفق التفاهم الذي حصل في باريس برعاية أميركية.
وإذ تسربت من قاعة اجتماعات باريس تعليمات أميركية لوزير خارجية الشرع أسعد الشيباني بضرورة انسحاب القوات الحكومية من محافظة السويداء في نهاية شهر آب الجاري، والانسحاب من كافة محافظات الجنوب السوري في منتصف شهر أيلول القادم كحد أقصى، تحت طائلة إقدام "إسرائيل" بهجوم بري واسع النطاق، فقد خرج المجتمعون بالمقررات الرسمية التالية:
1- يُحوَّل ملف السويداء إلى الأميركيين، وهم سيلتزمون بمتابعة تنفيذ بنود هذا الاتفاق.
2- انسحاب جميع قوات العشائر وقوات الأمن العام إلى ما بعد القرى الدرزية.
3- الفصائل الدرزية ستقوم بتمشيط جميع القرى للتأكد من إخلائها من قوات العشائر وحكومة دمشق.
4- تشكيل مجالس محلية من أبناء السويداء تتولى مهمة تقديم الخدمات.
5- تشكيل لجنة لتوثيق الانتهاكات، حيث سترفع تقاريرها إلى الطرف الأميركي.
6- نزع الـسلاح من القنيطرة ودرعا، وتشكيل لجان أمنية محلية من أبناء تلك المناطق، شرط أن لا تمتلك الأسلحة الثقيلة.
7- يمنع دخول أي منظمة أو مؤسسة تابعة للحكومة السورية إلى السويداء، مع السماح بدخول منظمات الأمم متحدة.
ومع دخول قوات أممية منذ يومين إلى محافظة السويداء، تطبيقاً لاتفاق باريس بين حكومة الشرع والحكومة الصهيونية، ومع بدء العمل بفتح "المعبر الإنساني" بين "إسرائيل" والسويداء، فإن الجنوب السوري بات جاهزاً للانفصال، لا اتصال بينه وبين أية منطقة سورية سوى عبر "ممر داوود"، الذي سيمتد من فلسطين المحتلة إلى درعا والسويداء ومنها إلى التنف وصولاً إلى الشمال الشرقي السوري حيث دولة الأكراد المُرتقب إعلانها.
ومع القيام الفعلي للدولتين الدرزية والكردية على أرض الواقع، فإن الدولة العلوية تنتظر ترتيبات روسية مع الأميركيين، لأنه سبق لموسكو أن استدعت وزيري خارجية ودفاع حكومة الشرع، أسعد الشيباني ومرهف أبو قصرة للبحث في الاستثمارات الروسية في الساحل مقابل الديون المترتبة على دمشق، مع إبقاء القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس، فإن الشرع جاهز لتوزيع سوريا كما قالب الحلوى الذي ليس بحاجة إلى القطع، بعد اقتطاع نفسه نتيجة ممارسات الحكومة، التي ستكون لها القطعة الأخيرة من حماه إلى حمص إلى دمشق، دولة سنية لن تصمد كثيراً، لأن إسلام بلاد الشام لن يرضى بها.