أقلام الثبات
بات في حكم تسلسل الأمور أن يقيم الرئيس جوزاف عون حفل تكريم للرئيس الأسبق أمين الجميّل، فالسياسات التي يعتمدها عون وحكومته التي يرأسها نواف سلام، أعادت الاعتبار لكل سياسات الجميل وحكومة شفيق الوزان إثر اجتياح جيش العدو "الإسرائيلي" لبنان عام 1982؛ ودخول تلك القوات قصر الرئاسة في بعبدا، وكذلك اقتحامها العاصمة بيروت.
كما أن من حق الجميّل، في حال استمرت خطوات العهد الحالية، في ظل المعارضة المحدودة لها، أن يطالب اللبنانيين الذين عارضوا عهده، بتقديم اعتذار له، عمّا بدر منهم تجاه سياسات عهده، التي أدانوه عليها وحاربوه حرباً لا هوادة فيها، لم تتوقف إلا بإسقاط سياساته وانتهاء عهده.
طبعاّ ليس هذا تصريحاً ولا رغبة من الرئيسين عون والجميّل، حتى الآن، لكنه أمر متوقع الحصول، مادام عهد عون يكرر كثيراً من ممارسات عهد الجمّيل، مع فارق في تحالفات وتموضعات معارضي العهدين، في حين أن أهداف القوى الخارجية، التي جاءت بحكم الجميل ونصبت جوزاف عون وحكومة نواف سلام، ما تزال على حالها.
ما يذكرنا بعهد الجميّل، مجموعة خطوات اتخذها عهد جوزاف عون؛ وهو لم يكمل سنته الأولى بعد، يختصر فيها عهد وحكم وسياسات أمين الجميّل، التي أشعلت حرباً لا هوادة فيها، في لبنان وعلى مستوى المنطقة، شاركت فيها سورية في مواجهة جيش العدو "الإسرائيلي"، في حين أن سورية "الثورة" الآن، باتت في الموقع "الإسرائيلي"، وتخطو خطوات - برعاية أميركية وفرنسية - في ترتيب علاقاتها مع كيان العدو، الذي يحتل قسماً كبيراً من الأرض السورية، زيادة على اغتصابه فلسطين وتوسعه داخل الأراضي اللبنانية.
وجاء خبر إطلاق سراح المدعو صالح أبو حسين - الذي يحمل الجنسية "الإسرائيلية" - بشكل مفاجئ و"سري للغاية"، من قبل الجيش والسلطات اللبنانية، لأن اللبنانيين لم يكونوا على علم بوجود هذا الأسير لدى الجيش، لكن مكتب رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو فضح العملية بإعلانه: "لقد استعدنا مواطنا إسرائيلياً كان محتجَزاً في لبنان منذ عام، بعد مفاوضات سرية استمرت اشهراً". وهذا يذكرنا بما أقدمت عليه سلطات أمين الجميل، عندما أصابت دفاعات المخيمات الفلسطينية طائرة "ميراج" "إسرائيلية"، كانت من ضمن سرب أغار بنيران رشاشاته الثقيلة على بورة في مخيم برج البراجنة، كان يتدرب فيها عشرات الأشبال الفلسطينيين، فبدأت الطائرة تدور حول نفسها وتهبط نزولا نحو سقي الحدث والدخان يتصاعد منها، فيما عمد الطيار إلى القفز منها فاتحاً مظلته ووجّهها نحو المناطق التي ينتشر فيها الجيش اللبناني، الذي قام بإنقاذ الطيار ونقله وسلمه سالماً لجيش العدو، الذي كان ما يزال جنوبي بيروت، بعد إجباره على الانسحاب من المدينة.
وما يستحق قوله هنا، إن هناك في المؤسسة العسكرية او الجهات المسؤولة عنها، من هو "فاتح على حسابه" في العلاقات مع "اسرائيل"، فلا الجهات العسكرية ولا السلطات السياسية اخبرت اللبنانيين ان لديها أسيراً "إسرائيلياً"، وهذا الأسير اعتقله الجيش عندما كان بقيادة العماد جوزاف عون، قبل ان ينصّب رئيساً للجمهورية، ولم يعلن عن ذلك، وجرى إطلاق سراحه خلال رئاسة عون للدولة، من دون مبادلته مع أسرى لبنانيين موجودين لدى قوات العدو، وكأن في الأمر تواطؤاً مع العدو، أو تجاهلاً لمطلب استعادة الأسرى اللبنانيين، فهل هناك من يوضح للبنانيين خفايا هذه الفضيحة الامنية والسياسية؟ وما هو موقف نواف سلام من مما حدث؟ وهل كان على علم بذلك، خصوصاً أنه كان خلال تسليم الطيار "الإسرائيلي" من ضمن فريق التفاوض اللبناني، الذي توصل إلى اتفاق 17 أيار المشؤوم، الذي اسقطه المقاومون اللبنانيون لاحقاً،
وعلى سيرة اتفاق 17 أيار، فإن ما أقدمت عليه حكومة نواف سلام، في جلستها البتراء، من إقرار ورقة الإملاءات "الإسرائيلية" - الأميركية، بموافقة الرئيس عون، هو أسوأ من الاتفاق المذكور؛ فحكومة نواف سلام، بحضور الرئيس عون، قامت بإقرارها ورقة الموفد الأميركي توم براك، بما يشبه تعرية لبنان أمام الاستهداف "الإسرائيلي" له، وهي تغطية رسمية لاحتلال العدو لعشرات القرى الحدودية، والذي تم بعد وقف إطلاق النار، فيما فشل هذا العدو في احتلالها طوال ستين يوماً من صمود المقاومين الاستشهاديين.
ولو قارنا تهديد الجميل بقصف دمشق، رغم زياراته المتكررة لها لاحقاً، بزيارة الرئيس عون الى دمشق ومصافحته للجولاني، قاتِل العسكريين اللبنانيين في عرسال، فإن النتيجة تصبح واحدة، عداء لدمشق المعادية للمشروع الصهيوني؛ وانفتاح عليها بأوامر وبضغط اميركي وسعودي، عندما انقلبت دمشق واصبحت جزءاً من مشروع التطبيع مع الغزاة الصهاينة.
أما مسرحية تسليم السلاح الفاشلة، في مخيم برج البراجنة، فهي تفتح جراح مجزرة صبرا وشاتيلا، أمام أعين حكم أمين الجميل وجيشه وحكومته، وهو ما يهدد بتكراره جماعة "السلام" مع كيان الاحتلال، فهل يكمل العهد الحالي مثل هذه الخطوات، فيطلق العنان لأمنه ليمارس اعتقال وخطف المعارضين، كما فعل عهد الجميل؟ وهل يمكن ان تتحول التهديدات بغزو لبنان من الجنوب والشرق، إلى تنسيق مع جيشنا الوطني، الذي قام في عهد الجميل بتنفيذ مداهمات مشتركة مع جيش الغزاة الصهاينة؟ كان جيش العدو يقف على أبواب الأبنية، فيما كانت قوة من الجيش اللبناني تداهم الشقق والبيوت وتفتشها، لكن الجنود والضباط الوطنيين، كانوا أشرف وأصلب من أن يؤدوا خدمات للعدو، فكانوا عوناً لأهلهم.. فهل يتوقف العهد الحالي عند حدود يحفظ فيها كرامة اللبنانيين وسيادة وطنهم، ام يكمل مسيرته لتحقيق ما عجز الجميل عن تحقيقه؟
