خاص الثبات
في كل مرة تُحشر فيها مشاريع الهيمنة في الزاوية، يلجأ أصحابها إلى أوراقهم المحروقة: إعلام مأجور، يبيع الكلمة مقابل حفنة من الدولارات، ويجعل من التطاول على الرموز الدينية وسيلة لإرضاء السفارات لا لخدمة الوطن.
آخر مظاهر هذا الانحدار الإعلامي، ما صدر عن صحيفة "نداء الوطن"، التي تجرأت — بوقاحة فاضحة — على مقام المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في محاولة بائسة لتشويه صوت يمثل شريحة وطنية كبرى، ويُجاهر بمواقف سيادية ترفض الإملاءات الأميركية – السعودية، وتنتصر لخيارات لبنان المقاوم والحر.
من الواضح أن استهداف المفتي قبلان ليس وليد اللحظة. بل هو حلقة في سلسلة ممنهجة من حملات التحريض التي تتبناها صحف وأقلام تابعة لحزب القوات اللبنانية وأشباهه، الذين لم يتوقفوا عن بث السموم الطائفية، والطعن بالطائفة الشيعية، والتعرض لعلمائها ورموزها، وكأن وظيفة "الإعلام" اليوم هي إثارة النعرات والتشكيك بوطنية كل من لا ينصاع لمحور المال والقرار الأميركي-الخليجي.
ولكن، من يحاسب؟ وأين منطق الدولة الذي يتشدقون به ليل نهار؟
أين هي دولة القانون حين تتحول الصحافة إلى منبر للفتنة والكراهية؟
هل المطلوب من الطوائف المستهدفة أن تسكت؟ أن تصمت بينما يُستباح عرضها وكرامتها ومقدساتها من أقلام مأجورة لا تعرف إلا الشتيمة والتحريض؟
حدثونا كثيرًا عن الحياد. طُرح علينا الحياد وكأنه مشروع إنقاذ. فماذا رأينا؟
حياد على الورق، وتحريض في الواقع.
دعوات إلى التهدئة من جهة، وفتن إعلامية من جهة أخرى.
كفّوا عن تسويق أنفسكم كمبشرين بالسلام وأنتم أول من يزرع بذور الفتنة.
كفّوا عن جلد هذا البلد بسكاكين التبعية والولاء الأعمى للخارج.
وإذا كانت "نداء الوطن" ومن خلفها القوات اللبنانية، يجب أن يعلموا أن أهل هذا البلد أدرى بمن يمثلهم، وأوعى من أن تُخدعهم عناوين صفراء، ومقالات تكتب على طاولات السفارات.
الرد على هذا الإعلام الرخيص لا يكون فقط بالمواقف، بل بمحاسبة قانونية صارمة، وتفعيل للقضاء، إن وُجد من لا يزال حي الضمير فيه.
ففي دولة القانون الحقيقية، لا تُحمى الكلمة المسيئة باسم "حرية التعبير"، بل يُحاسب صاحبها حين تتحوّل الكلمة إلى مشروع تحريض وتقسيم وفتنة.
وإلى أولئك الذين يسألون لماذا يُنتقد من يطبّع مع عدو الأمة: اسألوا أنفسكم أولًا، من بدأ بإراقة الحبر في خدمة مشروع العدو؟ ومن ارتضى أن يكون صدىً لرغبات تل أبيب والرياض وواشنطن؟
لبنان لا يُبنى بالشتائم ولا بالتبعية.
لبنان يُبنى بالأصوات الحرة، والقلوب الصادقة، والمواقف التي ترفع الرأس، لا التي تنحني عند أقدام السفراء.
والسلام.