خاص الثبات
بيروت لا تُختَصر بمقعد نيابي ولا يُعبَّر عنها من على منابر ممسوخةٍ تُدار من غرفٍ زجاجية في الرياض أو أبو ظبي. بيروت ليست ملكًا لنائبٍ صوته يُشترى ويُباع في بورصة السفارات، ولا لآخر يقتات على إرثٍ مكسور ويُلبِّس وجع المدينة ثوبًا لا يليق بها.
بيروت، المدينة التي قاومت الاحتلال الإسرائيلي في 1982، لم تكن يومًا على الحياد في معركة الأمة. بيروت التي دُكّت بمدافع شارون وصمدت، لا تخجل أن تضيء صخرتها بصور قادةٍ سقطوا شهداء على درب المقاومة، لأنها تحفظ الجميل، وتعرف الأوفياء. أما أولئك الذين اعتبروا الفعالية "استفزازًا"، فهم لا يرون في المقاومة إلا شوكة في خاصرة مشاريعهم، ولا في الشهداء إلا عثرة في طريق التطبيع.
كيف لنائبٍ لم يعرف من بيروت إلا أرصدتها ومصالحها، أن يُنصّب نفسه ناطقًا باسم "البيارتة"؟ من أعطى بعض النوائب وكالةً حصريةً للتحدث باسم المدينة التي نطقت بالدم، ورفعت صوتها بوجه الغزاة؟ ألم تكن بيروت أوّل من احتضن المقاومين، وأوّل من حمل نعوش الشهداء على الأكفّ، من حيّ اللجا إلى الطريق الجديدة، من البسطة إلى المصيطبة؟
المضحك – المبكي أن هؤلاء النوائب أنفسهم الذين يدّعون الحرص على "السلم الأهلي"، هم أول من يفتعل الفتن الطائفية، ويصطفّ خلف مشاريع مشبوهة تموّلها أنظمة لا تعرف من الكرامة سوى اسمها. هم أنفسهم الذين يصمتون على الحصار المالي المفروض على لبنان، ويصوّتون لصالح قوانين تفتح الباب أمام الوصاية الدولية، ثم يأتون ليزايدوا على المقاومة التي قدّمت خيرة قادتها شهداءً على طريق حرية لبنان وسيادته.
النوائب الذين يأتمرون من "يزيد بن فرحان" – ولي نعمتهم في الرياض – لا يحق لهم الحديث عن وجدان بيروت، فهم لا يعرفونه. الوجدان البيروتي لا يُباع في أسواق السياسة، ولا يُشترى بالتصريحات النارية. هو وجدان مقاوم، صلب، يعرف عدوه، ويعرف من يقف في صفه.
بيروت التي خرجت في جنازات الشهداء، التي ما زال في ذاكرتها يوم اجتاحها العدو، والتي لملمت أبناءها من تحت الركام، لا تقبل أن يُملى عليها كيف تعبّر عن وفائها. إضاءة صخرة الروشة في ذكرى الشهداء ليست احتلالًا رمزيًا، بل عودة رمزية للروح، للمعنى، للانتماء.
في النهاية، بيروت ليست بضاعة في سوق الوكالات السياسية. بيروت ليست أرضًا حرامًا على صور الشهداء. بيروت لا تُستفز من نورٍ يضيء صخرتها، بل تستفزها الظلمة التي يريد البعض أن يفرضها عليها باسم القانون.
بيروت مع المقاومة… بيروت مع الشهداء… بيروت لن تكون حيادًا في معركة الكرامة.