خاص الثبات
تمرّ اليوم الذكرى الـ41 لمجزرة صبرا وشاتيلا، المجزرة التي لا يمكن التعامل معها كجريمة عابرة أو لحظة سوداء في التاريخ، بل هي واحدة من أكثر مشاهد الخيانة والوحشية وضوحًا، حيث اجتمع العدو الصهيوني مع خونة الداخل من الميليشيات اللبنانية، على هدف واحد: إبادة الوجود الفلسطيني في لبنان.
البدايات... حقد يتراكم
منذ النكبة، ومن ثم اللجوء القسري إلى لبنان، حملت بعض القوى اليمينية والطائفية، وعلى رأسها ميليشيا "القوات اللبنانية" وحزب "الكتائب"، حقدًا دفينًا على اللاجئين الفلسطينيين، الذين تم تحميلهم زيفًا وزر كل الأزمات، بدل اعتبارهم ضحايا لاحتلال اقتلعهم من أرضهم.
ومع تصاعد نفوذ المقاومة الفلسطينية في السبعينيات، ومع نشوب الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، كان واضحًا أن المشروع الطائفي المحلي يتقاطع استراتيجيًا مع المشروع الصهيوني، في السعي لتصفية القضية الفلسطينية على أرض لبنان.
الاجتياح... والتمهيد للمجزرة
في صيف عام 1982، اجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي لبنان، بذريعة "الرد على عمليات منظمة التحرير"، لكنه في الواقع كان يتحرك ضمن خطة مبيتة للوصول إلى بيروت والقضاء على الوجود الفلسطيني فيها، بموافقة ضمنية من عواصم القرار الدولي، وصمت عربي مخجل.
وبعد اتفاق الخروج الآمن للمقاتلين الفلسطينيين من بيروت، بضمانة أمريكية كاذبة، بقي في المخيمات أطفال ونساء وشيوخ، يظنون أن الانسحاب سيوفر لهم الحماية، لكنهم لم يعلموا أن الطعنة الكبرى لم تأتِ فقط من المحتل، بل من شركائه المحليين في الإجرام.
16 أيلول 1982... أبواب الجحيم
في مساء يوم الخميس 16 أيلول، وفيما كان الاحتلال الإسرائيلي قد فرض سيطرته الكاملة على بيروت الغربية، دخلت ميليشيات "القوات اللبنانية" وحزب "الكتائب"، بتنسيق مباشر مع جيش الاحتلال، إلى مخيمي صبرا وشاتيلا، من ثلاثة محاور، مسلّحة بقوائم أسماء، وخريطة طرق، وضوء أخضر.
على مدى ثلاثة أيام، وبدم بارد، ارتُكبت مجزرة هي من أكثر جرائم القرن فظاعة. تم ذبح أكثر من 3500 مدني (بحسب تقديرات غير رسمية)، بطريقة ممنهجة، بالسكاكين والفؤوس والرصاص. اغتُصبت النساء، قُتل الأطفال وهم نيام، وحرقت الجثث في الشوارع أو دُفنت في مقابر جماعية.
لم تكن المجزرة مجرد تجاوز أو فوضى، بل قراراً سياسياً، وتنفيذاً لتطهير عرقي مقصود، شاركت فيه القيادات الميدانية في "القوات" والكتائب، بموافقة بشير الجميل – الذي كان قد اغتيل قبلها بساعات – وبمعرفة ودعم مباشر من أرييل شارون وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك، ورفائيل إيتان رئيس أركان الجيش الصهيوني.
خيانة الداخل وتواطؤ الخارج
المجزرة ما كانت لتحدث لولا:
تسهيل الاحتلال، عبر فتح الطرق، وتأمين الغطاء الجوي والمعلومات الاستخباراتية.
تواطؤ ميليشيات محلية طائفية نفّذت الجريمة بذريعة "الانتقام"، لكنها كانت تنفذ مشروعاً أكبر: اقتلاع الشعب الفلسطيني من لبنان.
صمت الدولة اللبنانية، التي لم تُجرِ تحقيقاً واحداً جديّاً، ولا حاسبت أحدًا من المتورطين، بل عادت واحتضنتهم في السلطة بعد اتفاق الطائف.
خنوع عربي وصمت دولي، لم يُحمِ اللاجئين، رغم التعهدات، ولم يرفع صوتاً حقيقياً للمحاسبة، رغم حجم الجريمة.
الذاكرة الحيّة في وجه التزوير
اليوم، وبعد 41 عامًا، لا يزال البعض يحاول تزييف الحقائق، والتقليل من مسؤولية القوات والكتائب، بل وتلميع وجوه قادتها كـ"زعماء وطنيين".
لكن دماء الشهداء لن تُنسى، والمقابر الجماعية في قلب بيروت لن تُطمس، والوثائق التي نشرتها لجان التحقيق الدولية والصحفيون الأحرار، ستبقى الشاهد الصادق على ما جرى.
في ذكرى المجزرة، نعيد التأكيد أن الشعب الفلسطيني في لبنان لم يكن ضيفاً عابراً، بل شعبٌ مقاومٌ يحمل قضية مقدسة، وأن من طعنه بالأمس، ما زال يسعى اليوم لتصفية وجوده، عبر مشاريع "الدمج" أو "التهجير" أو "الشيطنة".
لكننا نقولها بوضوح:
لن تُمحى الذاكرة. لن يُغفر للخونة. والمقاومة ستبقى هي الطريق.