العرب.. قِمَّة بسَمنَة وقِمَّة بزَيت _ أمين أبوراشد

الأربعاء 17 أيلول , 2025 08:08 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كل روحٍ هي عزيزة بشرع الله وحقوق الكرامة الإنسانية، لكن لماذا استشهاد مواطن قطري واحد، اعتبروه أعظم من شهادة 70 ألف فلسطيني ولبناني ويمني وسوري، بدليل هرولة زعماء الدول العربية والإسلامية لقمّة طارئة في الدوحة بعد العدوان الصهيوني على الأراضي القطرية، وتزامنت هذه القمة مع قمة خليجية استثنائية أيضاً، وبدا للمتابعين، أن معيار انعقاد القِمَم العربية الطارئة، هو في احتياط الغاز والنفط والمال، وليس في احتياط الأرواح والدماء والكرامات؟

التمثيل على مستوى الزعماء وقادة الدول كان رفيعاً في الدوحة، لكن بمقدار ما كان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد واقعياً في توصيف العدوان على بلاده، بمقدار ما كان الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط متزلفاً ومتملقاً و"متزحفطاً"، هو الذي كان في "الكوما" أو في نومة "أهل الكهف" على مدى نحو سنتين من الإجرام الصهيوني في غزة ولبنان واليمن وسوريا، والعجب كل العجب أنه بعد كل هذه العربدة الصهيونية على الدول العربية، ما زال يشعر بالارتياح على مقعده وأنه جدير بهذا الموقع.

من حق أمير قطر إبداء دهشته من الغدر الصهيوني بحق بلاده التي ترعى مع مصر مفاوضات غير مباشرة بين حماس و"إسرائيل"، وتستقبل وفود التفاوض "الإسرائيلية"، فشهدت محاولة الاغتيال بحق وفد حماس على أرض قطر، وهي ليست فقط انتهاكاً للسيادة القطرية، بل اعتداء غير مسبوق على القوانين والأعراف الدولية في إقدام جهة مفاوضة على محاولة قتل الجهة التي تفاوضها.

في المقابل، ليس من حق أمين عام جامعة الدول العربية القول إن "إسرائيل" في عدوانها على قطر قد تخطت كل الحدود، وكأن "إسرائيل" في نظره كانت تنثر الورود على غزة ولبنان وسوريا واليمن خلال العامين الماضيين، لكن سقوط مبنى في الدوحة جراء العدوان، يساوي عنده أكثر من عشرات آلاف الأبنية التي دمرتها "إسرائيل" في البلدان العربية المذكورة، والشهيد القطري أغلى عند أبي الغيط من عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين.

في قمَّة من هذا النوع، كان الشارع العربي ينتظر على الأقل، نزع مفتاح الشرق الأوسط الجديد من يد نتانياهو، عبر وقف التبادل التجاري مع الكيان الوقح، أو التلويح بتجميد التطبيع معه، أو استدعاء السفراء "الإسرائيليين" لدى الدول المطبِّعة، إن لم نقل طردهم، لكن لا شيء من هذا القبيل حصل، ولا البيان الختامي للقمَّة هدد بسحب "المفتاح" في الوقت الذي كان فيه أكثر من بلد عربي يتلقى الضربات "الإسرائيلية"، ورؤساء هذه الدول يلقون خطابات التنديد بالعدوان على قطر، خصوصاً رؤساء لبنان وسوريا والسلطة الفلسطينية.

وبقدر ما كانت قِمَّة الدوحة العربية والإسلامية تصدح بخطابات الاستنكار والتنديد، كانت قِمَّة دول مجلس التعاون الخليجي تٌعقَد على هامشها بصمت، وبدا ما يحصل على الهامش أهم بكثير من الصفحة الرئيسية، لأن الهامش الممنوع على العرب والمسلمين المشاركة فيه، يتضمن أمن العروش العائلية في الخليج، لاسيما السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت، خصوصاً أن بعض هذه العروش شريكة مع الكيان المحتل ومشاركة في عدوانه على الأرض العربية. 

وإذا كانت قِمَّة الدوحة العربية والإسلامية قد حُمِّلت أكثر مما تستحق من بقايا آمال عربية، فإن بيانها الخائب كما كل القِمَم التي سبقتها، هو رسالة نهائية لمن كانوا يؤمنون بالعروبة يوماً، أن جلود التماسيح باتت أقرب إلى الزعماء العرب من النعام الغارقة رؤوسها في الرمال منذ تأسيس الجامعة العربية، وعلى الفلسطينيين أن يدركوا بأنه "ما حكَّ جلدك غير ظفرك"، ولعل سحب القضية الفلسطينية من بين أيدي العرب بات حتمياً لوقف المتاجرة المجانية بها، بعد أن باتت أرض العرب كلها سائبة للعدوان بوجود أنظمة عائلية دكتاتورية كل ما يعنيها أن لا يهتز كرسي أو عرش، حتى ولو لم يعد في غزة ولبنان وسوريا واليمن كرسي واحد من أثاث عشرات آلاف البيوت المدمرة.

ختاماً، يقول أحد المخضرمين المواكبين للقمم العربية: لا تنتظروا بعد قِمَّة الدوحة أن تجدوا فلسطين في قواميس العرب، بل ستجدونها في غزة والضفة الغربية، والدولة الفلسطينية ستقوم يوماً بحماس أو بدونها، و360 كلم مربع عجزت "إسرائيل" عن اتخاذ قرار باحتلالها رغم تدميرها، نشأت غزة جديدة في قلب أنفاقها، ومن هناك فقط ستطلع دولة فلسطينية، لأن وضع "إسرائيل" الداخلي لم يعد قادراً على الصمود الحربي والاستنزاف العسكري والاجتماعي والاقتصادي لسنة ثالثة من وضعية "مكانك راوح"، في مواجهة شعب صامد وصابر لم يعُد لديه ما يخسره.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل