أقلام الثبات
يتسابق الحكام العرب والمسلمون لطلب السلام مع "إسرائيل" التي كلما رأت الزحف والاستسلام العربي والإسلامي زادت غروراً ونفوراً وتوحشًا وتوسّعًا في جغرافية الحرب، حتى وصلت لقصف أصدقائها وأدواتها؛ سوريا الجولاني، وقطر؛ أول الدول العربية التي بنت علاقات مع "إسرائيل"، وسخّرت قناة "الجزيرة" منبراً للمسؤولين "الإسرائيليين"، إلى أدوار أخرى خفية، ولم تربح قطر شفاعة وحماية أمريكا مقابل خدماتها الكبيرة، ودورها في قيادة "الربيع العربي"، الذي أنهك الأمة وشتتها، عبر الجماعات التكفيرية والمال وإعلام الجزيرة وقاعدة العديد الأمريكية.
أيضاً، يهرول بعض المسؤولين اللبنانيين وزعماء الأحزاب والنواب والوزراء والإعلاميين وبعض من ينتحل صفة "الرجولة السياسية" ويعيش من تأجير لسانه وصوته للسفارات ،لإعلان استعداده للسلام مع "إسرائيل" والتطبيع معها وشن الحرب على المقاومة لنزع سلاحها، وهم المسلّحون "بإسرائيل" وأمريكا، مع إطلاق الوعود بأن "السلام" مع "إسرائيل" سيحوّل لبنان إلى "جنّة" اقتصادية، وسيعيش اللبنانيون الرفاهية والسعادة والأمن والاستقرار، وكأن سلاح المقاومة يمنع كل ذلك.. لكن نسأل هؤلاء الواهمين أو قليلي الخبرة أو الذين يعملون تحت الضغط الأمريكي: هل تريد "إسرائيل" السلام لتهرولوا إليها وتُقبّلوا يدها؟
هل عاشت السلطة الفلسطينية والأردن ومصر الرفاهية الاقتصادية بعد توقيع اتفاقيات السلام، أم لا زالت تعيش على المساعدات الدولية؟ هل نسيتم تجربة السلطة الفلسطينية و"سوريا الجولاني"؟
هل تستطيعون إعطاء "إسرائيل" ما أعطته السلطة الفلسطينية لها من تنسيق أمني واعتقال المقاومين والاعتراف بها، ورفض الكفاح المسلح ونزع السلاح الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، ومع ذلك يطالب رئيسها بالحماية (اغتالت "إسرائيل" ياسر عرفات بالسم)؟
هل تستطيعوا إعطاء "إسرائيل" ما أعطاه "الجولاني" لها من مباحثات مباشرة وشريط أمني عازل في جنوب سوريا وإقليم درزي، وإشراف "إسرائيلي"، وإعلانه أن المقاومة وإيران عدو مشترك، ومع ذلك تقصفه "إسرائيل" ولم تُبقِ له قرارًا سياسيًا مستقلاً، ولا سلاحًا أكثر من رشاش متوسط؟
هل وصلتكم أخبار تجربة القوات الدولية في لبنان التي تمنعها "إسرائيل" من الوصول إلى مراكزها حين تشاء، مع أنها تعمل ككلاب صيد لمطاردة المقاومة؟
هل علمتم بفرض "إسرائيل" وجوب نزع مخازن بنادق الجيش، عندما يتوجه إلى بعض النقاط الحدودية؟
نحن نعلم وأنتم تعلمون كل ذلك، فلماذا الإصرار على نزع أوراق القوة من لبنان دون بديل ودون تعويضات أو ضمانات؟
ما هي الضمانة أن تبقوا في مراكزكم وألقابكم عندما تنتهي المهمة الموكولة إليكم؟
فإن نفذتم سيتم الاستغناء عنكم، كما حصل مع صدام حسين بعد إغرائه بغزو الكويت وشن الحرب على إيران (أعدمته أميركا)، وكما حصل للقذافي بعد تفكيك مشروعه النووي، وبعدما دفع 3 مليارات دولار تعويضات طائرة "لوكربي" (أعدمته فرنسا وأميركا)، أو كما تم الاستغناء عن أنطوان لحد وجيشه عام 2000، وكما تم الاستغناء عن القوات اللبنانية في الجبل وترحيلها بالباصات من دير القمر.
إذا كنتم ترفضون احتكار المقاومة لقرار الحرب والسلم، فلماذا تُكرهوننا على القبول باحتكاركم قرار السلم والاستسلام "لإسرائيل" ونزع كل سلاح يتصدى لمشروع ضم لبنان إلى "إسرائيل الكبرى"؟
هل نسيتم أن عمر المبادرة العربية أكثر من 20 عامًا، وهي المبادرة الأكثر سخاء وتنازلاً؛ عندما عرض العرب أن تعطيهم "إسرائيل" جزءاً من الأرض المحتلة، مقابل السلام معها والاعتراف بها وقبولها "دولة شقيقة" ورفضت المبادرة وهم في ذروة قوتهم ووحدتهم؟ فهل ستعطيهم وهم في أرذل العمر السياسي؟
لا تهرولوا نحو الاستسلام ولا تتسابقوا نحو العار، فالمقاومة لا زالت حيّة وقويّة، وستنهض من تحت الركام تلملم جراحها وستقاتل رغم نزيفها، مهما كانت الضربات فإن لم تستطع النصر، فلن تكتب في تاريخها المشرّف سطرًا من سطور العار والاستسلام.
تمتلك المقاومة سلاحي "العقيدة الدينية والسلاح المادي" فإن استطعتم حصار الصواريخ والرصاص، فلن تستطيعوا إسقاط العقيدة التي ستنتصر على عقيدة "التلموديين" لأنها العقيدة التي وعدنا الله أنها ستنتصر {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
لن نستسلم ولن ننهزم، ومُبارك عليكم عار الهزيمة والاستسلام، فكل احتلال مع عملائه إلى زوال، مهما طال الزمن.. ويبقى أهل الأرض أمواتاً في باطنها وأحياء على متاريسها.
هل تريد "إسرائيل" السلام حتى تهرولوا إليها؟ _ د. نسيب حطيط
الأربعاء 17 أيلول , 2025 08:26 توقيت بيروت
أقلام الثبات

