الثبات-إسلاميات
قال تعالى: ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً﴾
هذه الآية الكريمة نزلت في سياق أحكام صلاة الخوف، حين يكون المؤمن في مواجهة عدوه، لا يجد فسحةً للأمان، بل يظل متأهِّبًا في عبادته كما في جهاده، حاملاً سلاحه وهو واقف بين يدي ربّه
تأمّل هذا المشهد الذي يرسمه القرآن:
جيش من المؤمنين واقف في ساحة المعركة، قلوبهم معلّقة بالسماء، وأيديهم قابضة على السلاح ما بين تكبيرة صلاة، وصليل سيوف، ونظرات يقظة مترقبة...
وفي الجانب الآخر، عدو مترصّد، عيناه لا تفارق سلاحك، يتمنّى غفلتك، بل يعيش على أمل أن تترك سلاحك لحظة واحدة، أو تنشغل عن متاعك، فإذا به ينقضّ عليك "ميلة واحدة"… هجمة خاطفة، لا تحتاج إلى تكرار، كافية لتمزيق الصفوف وإبادة الجمع
قال ابن كثير: "أي: يتمنون غفلتكم عن السلاح ليميلوا عليكم ميلة واحدة يستأصلونكم بها."
وقال القرطبي: "الميلة: الهجمة، أي لو قدروا على غرتكم لهجموا عليكم دفعة واحدة."
أما الطبري فعبّر بجلاء: "يثبون عليكم وثبة واحدة فيقتلونكم عن آخركم."
إنه تصوير بليغ لعدو لا يرحم، لا ينتظر إلا غفلة المؤمن ليضرب ضربته فلو كانت لهم القدرة، لما تركوا فرصة ثانية، بل هجمة واحدة تكفي لتحقيق ما يتمنّون
إذن، "الميلة الواحدة" تعني الانقضاض المباغت الذي لا يرحم، وهو تصوير بليغ لشدّة عداوة الكافرين، فهم لا يريدون إلا فرصة سريعة لينقضّوا فيها بكامل قوّتهم
والرسالة لنا اليوم:
عداوة الباطل لا تهدأ، وتربّص الأعداء لا يتوقف قد يلبسون ثوب السياسة، أو يتزيّنون بشعار الإنسانية، لكن القرآن يكشف حقيقتهم: ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾، تمنٍ دائم، وترقّب مستمر، واستعداد للهجوم عند أول غفلة
وهنا يعلّمنا ربنا: ﴿وَخُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ اليقظة إذن ليست خيارًا، بل فريضة والحذر لا يناقض التوكل، بل هو من صميمه، فإن المؤمن المتوكل هو الذي يشدّ سلاحه، ويستعدّ لعدوه، ثم يرفع بصره إلى السماء قائلاً: "حسبي الله ونعم الوكيل."
اليوم، لم تعد الميلة الواحدة سيفًا يهوي أو رمحًا يُطعن فقط، بل قد تكون إعلامًا مضلِّلًا، أو غزوًا ثقافيًا، أو هجمة اقتصادية، أو حملة تشويه للأمة ودينها وكلها "ميلة واحدة" تستهدف قلب المسلم وعقله قبل جسده
فالحذر الحذر... لا تترك سلاح وعيك، ولا تغفل عن متاع قيمك، ولا تظن أن عدوك قد يئس منك فلو غفلت، لانقضّ. ولو تراخيت، لانكشف الصف