شهداء الصحافة الفلسطينية.. لا شهداء الجزيرة ولا قطر

الإثنين 11 آب , 2025 11:51 توقيت بيروت أقلام الثبات

خاص الثبات

الصحافيون الذين ارتقوا في غزة هم شهداء الكلمة الحرة، لا "شهداء الجزيرة" ولا قطر.

قُتلوا لأنهم فلسطينيون، لا لأنهم يرفعون ميكروفون الجزيرة.

في أرضٍ لا تعرف السكون، ولا يسكنها إلا الصمود، سقط شهداء الكلمة والصورة، أولئك الذين واجهوا طائرات الاحتلال بعدسات كاميراتهم لا ببارود بنادقهم.

أكثر من 260 شهيدًا إعلاميًا في غزة منذ بدء الحرب الأخيرة، من بينهم أسماء لن تُنسى أبدًا، مثل شيرين أبو عاقلة، إسماعيل الغول، أنس الشريف، محمد قريقع وغيرهم كثير.

سقطوا وهم ينقلون الحقيقة. سقطوا لأنهم فلسطينيون بالدرجة الأولى. سقطوا لأنهم لا يحملون جنسية غربية تحميهم، ولا ميكروفونًا "معتمدًا" يعلو فوق الاحتلال. لقد سقطوا برصاص الاحتلال، لا برصاص طائش، بل بقرارات عسكرية مدروسة، وبصمت دولي متواطئ.

لكن الأسوأ من الرصاصة، هو من يتجاهلها، أو يُحاول تبريرها. وهنا، يبرز اسم قناة الجزيرة.

الجزيرة منبر التطبيع الناعم

لطالما قدّمت "الجزيرة" نفسها كصوت المقهورين، ومظلة القضية الفلسطينية. لكن حين ننظر إلى شاشتها، نجد مساحة واسعة مخصصة لـ "الرواية الإسرائيلية". نجد وجوهًا صهيونية معتادة، تحلل وتبرر وتُقنع المشاهد العربي بأن ما تفعله إسرائيل "رد فعل" أو "دفاع عن النفس".

فكيف لقناة قُتل مراسلوها ومصوروها في غزة، أن تُواصل إعطاء الاحتلال هذه المساحة؟!

كيف لدماء شهداء تتناثر على الشاشة، وفي الوقت ذاته يُمنح جنرال إسرائيلي مساحة ليروي روايته؟!

هل أصبح الدم الفلسطيني مجرد خلفية درامية لنشرات الأخبار؟

هل تحوّل الميكروفون إلى أداة ناعمة لتبييض الاحتلال، بدلاً من فضحه؟

لفهم ازدواجية "الجزيرة"، يجب أن نُدرك أنها ليست قناة مستقلة كما تزعم، بل أداة سياسية ناعمة بيد الدولة القطرية. وقطر، في سياساتها تجاه فلسطين، تلعب على الحبلين بمهارة مدهشة:

مع حماس: قطر تدعم الحركة ماليًا وسياسيًا، لا حبًا في المقاومة، بل لأنها تمثّل مشروع "الإسلام السياسي" الذي تسعى قطر لحمايته وإبقائه على قيد الحياة، كما فعلت مع الإخوان المسلمين في مصر وتونس وليبيا.

مع إسرائيل: قطر تحتفظ بقنوات تواصل غير رسمية مع تل أبيب، وتنسّق أحيانًا حول إدخال أموال إلى غزة بموافقة الاحتلال نفسه. إسرائيل تسمح بهذه القنوات لأن المال القطري يُبقي الأوضاع في غزة "هادئة" لسنوات.

وفي كل تصعيد، كانت الجزيرة تُجيّش الرأي العام العربي، بينما كانت قطر تُطمئن تل أبيب وواشنطن بأنها "تُمسك بخيوط اللعبة".

دماء الصحافيين ليست وسيلة لتحسين صورة قطر في الشارع العربي، وليست وقودًا لصفقات سياسية مع إسرائيل أو أمريكا.

ما يحدث اليوم هو عملية توظيف ناعم للقضية الفلسطينية، حيث تُظهر قطر نفسها كـ "الراعي الإنساني"، و"الوسيط الموثوق"، و"الداعم السياسي"، بينما الحقيقة أنها تُبقي الجميع في دائرة الاحتياج لها:

حماس تحتاج أموالها ودعمها السياسي.

إسرائيل تحتاج دورها لشراء الهدوء.

أمريكا تحتاجها كوسيط مع تيارات الإسلام السياسي.

الجزيرة تغطّي.. وقطر تُطبّع بصمت

نحن لا نتحدث عن مؤامرة، بل عن واقع سياسي واضح.

الجزيرة تُظهر شيئًا وتخفي آخر. وقطر لا تدعم فلسطين كما تدّعي، بل تدعم مصالحها أولًا، وتُسخّر القضية في خدمة هذه المصالح.

دماء شهداء الإعلام في غزة لا يجب أن تكون مجرد عنوان عابر، بل صرخة في وجه كل من يتاجر بالعدسة، ويستثمر بالدم، ويُطبّع بالصوت والصورة.

فلتكن الحقيقة واضحة:

الجزيرة ليست منبر الشهداء، بل منبر من يريد أن يربح من موتهم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل