السويداء نموذج لتقسيم إداري غير معلن... قد يتكرر في مناطق أخرى _ حسان الحسن

السبت 26 تموز , 2025 05:02 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
اندلعت في منتصف تموز الجاري اشتباكات عنيفة بين فصائلَ درزيةٍ وعشائرَ بدويةٍ في محافظة السويداء، في الجنوب السوري، أسفرت عن مئات القتلى والمصابين والمشردين، في واحدٍ من أخطر انفجارات ما بعد سقوط الدولة السورية، في الثامن من كانون الأول الفائت.
ثم دخلت "إسرائيل" على الخط بضرب مواقعَ "حكوميةٍ" سوريةٍ، في دمشق وجنوب البلاد، بذريعة حماية الأقلية الدرزية. بعدها توسطت الولايات المتحدة، بدعمٍ من تركيا والأردن، لإعلان وقف لإطلاق النار، الذي تم الاتفاق عليه، بحسب تصريحات السفير الأميركي توم باراك يوم 18 تموز 2025.
ثم تبلورت وساطة أميركية تقود إلى لقاءاتٍ رفيعةٍ المستوى في باريس، في الأيام الفائتة، شارك فيها وزير الشؤون الاستراتيجية "الإسرائيلي" رون ديرمر، ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في أعلى تقاربٍ بين سلطة الأمر الواقع في دمشق، والكيان الصهيوني.
وبحسب الوثيقة التي نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان في 24 تموز:
- تتم إحالة الملف الأمني في السويداء، إلى الولايات المتحدة، التي تتولّى بدورها متابعة التنفيذ، بما يشمل انسحاب قوات العشائر وأمن الدولة إلى ما بعد القرى الدرزية، على أن تتولى فصائل محلية تتولّى التمشيط والتأكد من خلو المناطق من "القوات السورية".
- تُشكّل مجالس محلية من أبناء السويداء لتقديم الخدمات، وتتأسس لجنة لتوثيق الانتهاكات، ترفع تقاريرها إلى الجانب الأميركي.
- يُمنع دخول أي مؤسسات حكومية سورية، وتُكتفى بحضور منظمات الأمم المتحدة.
- يُفرض نزع السلاح عن مناطق درعا والقنيطرة، مع تشكيل لجانٍ أمنيةٍ محليةٍ بلا سلاح.
لا ريب أن هذه الوثيقة المسربة ترسم نظامًا إداريًا تتحكم به واشنطن فعليًا، ويميز بوضوحٍ بين السلطة المدنية المنزوعة السلاح، والسيطرة الأمنية التي خرجت من يد الدولة، ما يثير تساؤلًا أساسيًا: هل الجنوب السوري أمام خطة سلامٍ حقيقيةٍ، أم شرعنةٍ لنفوذ خارجي طويل الأمد؟
كذلك تقول الوثيقة إن الإدارة الأميركية ستتابع التنفيذ، لكن هذا الدور يضعها في مركز السلطة الحقيقية، فبينما تبدو الحكومة السورية خاليةً من السيطرة، تُهيمن واشنطن على المسائل المحلية، فتكون هي لاعبًا أساسيًا فوق المشهد السوري.
هذا الترتيب يذكّر ببلدان ما بعد النزاعات حيث تُحلّ قوة دولية مكان الدولة الهشة، مصمّمة على ضبط التوازنات المحلية، فهل يخرج الجنوب السوري من السيادة إلى النفوذ شبه الاستعماري؟
ويبدو أن "إسرائيل" قبلت بنفوذٍ أميركيٍ، عوضًا عن الجيش السوري في جنوب السويداء، وهي خطوة ربما طمأنت بعضًا من الطائفة الدرزية.
لكن لا ريب أن منع دخول المؤسسات الحكومية السورية إلى محافظة السويداء، يمثّل انتقاصًا واضحًا من سيادة الدولة المركزية، ويكرّس حالةً من الانفصال الإداري والسياسي، تعوق إعادة اندماج المحافظة ضمن المنظومة الوطنية الرسمية، فهذا الإقصاء لا يقتصر على الجانب الرمزي، بل يؤسس فعليًا لسلطةٍ بديلةٍ، تعمل تحت وصايةٍ دوليةٍ، ما يجعل من السويداء نموذجًا لتقسيم إداريٍ غير معلن.
وستتحول المحافظة أي (السويداء)، إلى حقل تجاربٍ لحكمٍ محليٍ محدود الصلاحيات، خاضعٍ لرقابةٍ خارجيةٍ، ما يُغري بتكرار النموذج في مناطق أخرى مثل إدلب أو درعا، تحت ذرائع التهدئة أو حماية الأقليات. وما يرفع خطورة هذا التوجه هو احتمال تحويل الطائفة الدرزية إلى كيانٍ سياسيٍ محصورٍ في إطار إداري منزوع السلاح، أشبه بـ”استثناء نظامي” يُعيد إنتاج الطائفية بصيغةٍ أكثر نعومةٍ، لكنه يهدد وحدة الدولة وتماسكها.
وهاهو النموذج العراقي ماثل أمام أعين الجميع، ففي العراق بعد 2003، تم تأسيس واقعٍ سياسيٍ وأمنيٍ قائمٍ على مناطق "آمنة" منفصلةٍ عن سلطة الدولة المركزية، تحت غطاء التدخل الدولي، وهو ما أفسح المجال لاحقًا لتغلغل نفوذٍ قوىٍ إقليميةٍ قبل انسحاب الأميركيين.
 وفي السياق السوري، يتكرّر النمط ذاته عبر اتفاق يتم تسويقه كـ”حالة مؤقتة”، لكنه يُمهّد لهيمنةٍ خارجيةٍ دائمةٍ على جنوب البلاد، وسط غيابٍ فعلي لمقومات السيادة الوطنية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل