أقلام الثبات
قال ناشط سياسي من دروز جبل العرب: نحن لسنا ديانة تبشيرية ليعتقد البعض أننا نهدد عقيدته، ولا نحن في منافسة سياسية مع أحد من أجل سلطة في سورية، واحتفظنا بسلاحنا لأننا لم نأمن جانب جماعات تكفيرية، وواجهنا في السويداء مجرمين ولصوص، لم يقاتلوا مقاتلينا، بقدر ما قتلوا أطفالنا ونساءنا وشيوخنا، وتطاولوا على الكرامات والأرزاق، والعلاقة مع دمشق قد انتهت، مادامت هذه الجماعات على رأس السلطة.
يعتقد البعض أن الاجتماعات الوزارية السورية - "الإسرائيلية"، برعاية أميركية، هي التي قررت مصير السويداء، وآخر هذه الاجتماعات في "باكو"، حيث سقطت حكومة الشرع في المحظور عندما اشتدٌَ ساعدها بالرفض الأميركي لتقسيم سورية، وقررت تطويع جماعة الشيخ حكمت الهجري وضمّ السويداء، ولم تمانع "إسرائيل"، فكان الهجوم الأرعن على السويداء على أساس أن الدروز فيها على انقسام بين ثلاث مشيَخات عقل، والقوى المسلحة على الأرض أيضاً متعددة الولاءات، لكن طريقة الدخول العدوانية الهمجية التي انتهكت حرمة الأرواح والكرامات والممتلكات، هي التي وحدت الموقف الدرزي والمسيحي أيضاً خلف الشيخ الهجري، المتمسك بعروبة جبل العرب وحرية أبناء هذا الجبل بتقرير مصيرهم ضمن دولة سورية مدنية لا مركزية.
ولا منَّة لأحد على ما تمّ تحقيقه من نصر في السويداء على الجماعات التكفيرية، التي أحرقت وهجَّرت سكان 32 بلدة وقرية في محيط المدينة عدا عن الفظائع داخلها، وأن عدد الشهداء يفوق عدد شهداء الساحل من العلويين، وبإمكان أبناء السويداء الفخر أنهم رسموا بدمائهم خارطة كيانهم اللامركزي ضمن دولة وطنية سورية، رغم بنود الاتفاق الدولي الإقليمي أدناه الذي يتحمل الشرع مسؤولية الوصول إليه:
1.نقل ملف السويداء بالكامل إلى الإدارة الأميركية، التي ستتولى متابعة التنفيذ وضمان الالتزام.
2.انسحاب قوات الأمن السورية والعشائر الموالية للنظام إلى ما بعد القرى ذات الغالبية الدرزية.
3.تفويض الفصائل الدرزية بمهمة تمشيط المنطقة لضمان خلوها من أي وجود للنظام أو حلفائه.
4.تشكيل مجالس محلية من أبناء السويداء، لتولي تقديم الخدمات اليومية للسكان.
5.إنشاء لجنة لتوثيق الانتهاكات وتقديم تقارير دورية إلى الجانب الأميركي مباشرة.
6.نزع السلاح من محافظتي القنيطرة ودرعا، على أن تُشكَّل لجان أمنية محلية دون أسلحة ثقيلة.
7.منع دخول المؤسسات التابعة للحكومة السورية إلى السويداء، مع السماح فقط بوجود منظمات الأمم المتحدة.
ومنذ ساعات، صدر بيان مشترك عن "رجال الكرامة" و"لواء الجبل" أكبر فصيلين عسكريين في جبل العرب ومحافظة السويداء، يبديان فيه استعدادهما للاندماج ضمن جيش وطني سوري جديد، ودولة مدنية عاصمتها دمشق، وفق نظام لا مركزي على مستوى كافة دوائر الدولة الإدارية والأمنية والعسكرية، وبانتظار عودة عجلة المفاوضات بين السويداء ودمشق، أكد البيان على الرفض المطلق لأي تواجد إداري أو أمني لنظام الشرع بوضعه الحالي في محافظة السويداء.
وهذا البيان الصادر باسم الدروز والمسيحيين والسُّنة في محافظة السويداء، صالح لأن يكون مرجعاً وطنياً لحكومة الشرع، بل هو الفرصة الأخيرة، خصوصاً أن العين الآن انتقلت من السويداء إلى درعا.
ودرعا التي تختلف في تركيبها الديني والاجتماعي والفكري والعسكري عن السويداء، تتضمن نسيجاً شعبياً وحزبياً معقداُ، والخطر الصهيوني الداهم عليها بات قريباً، لأنها العقدة الأساسية بوجه تحقيق "ممر داود"، وقد يكون تكوينها الديمغرافي السُّني عقبة أمام تحقيق الأمن لهذا الممر الذي يعبر منها إلى الشمال الشرقي حيث "دولة "الأكراد" أو الحكم الذاتي الكردي الذي بات حتمياً.
ما يجب أن يقرأه مستشارو أحمد الشرع قبل فوات الأوان، أن لدى الأكراد القدرة على إعلان دولة لديها نوعاً مقومات الاكتفاء الذاتي من نفط وغاز وموارد طبيعية، لكن الشعب الكردي فتح ذراعيه مراراً لدمشق ضمن نفس الفكر الوطني في الرؤية اللامركزية للدولة السورية، والأكراد عبر "قسد" لديهم القدرة لأن يكونوا نواة الجيش السوري الوطني الجديد الذي يلبي ايضاً مطالب السويداء وكافة محافظات الإسلام السني الشامي العربي، وإذا لم يتلقف الشرع ومجموعة مستشاريه رسائل القوى الوطنية الدرزية والمسيحية والسنية المعتدلة، فهذه كارثة بحق وحدة سورية، لأن تكرار مجزرة الساحل بحق العلويين ممنوع نهائياً بعد خيبة الإرهابيين في السويداء، وهذه الخيبة ستتكرر في أية جبهة أخرى، سواء مع الأكراد أو على الحدود العراقية أو اللبنانية، وها هي درعا تتحضر لتهجير نفسها أمام غطرسة صهيونية زاحفة إليها وسقوطها سيُسقط آخر شرعية عن أحمد الشرع.