تزوير الغضب ــ عدنان الساحلي

الأربعاء 23 تموز , 2025 01:01 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
تسيطر الولايات المتحدة والغرب عموماً، بما فيه قاعدتهم العسكرية المتقدمة "إسرائيل"، على العقل العربي تحديداً والإسلامي عموماً، ويديرون هذا العقل الجمعي كما يشاؤون، وحقائق الأحداث تؤكد أن عدونا يصنع ويوجه ردود افعال العرب ويحدد لهم أهدافهم، وفق مصالحه، فيما العرب والمسلمون ينفذون مخططات عدوهم بكل بلاهة وانقياد. 
وتذكر تواريخ وتفاصيل أحداث منطقتنا العربية، أن كثيراً مما جرى فيها وعليها، كان من فعل وتخطيط قوى الاستعمار القديم والحديث، فيما كان ظن الجمهور الجاهل والمضلل، أنها ردود أفعال مشروعة وطبيعية، من قبل "القوى الحية" في أمة العرب وشعوب المسلمين.
وتذكر كتب التاريخ أن القائد الفرنسي نابوليون بونابرت، عندما غزا بلادنا بحراً عام 1798، باتجاه مصر ومنها نحو فلسطين؛ وفشلت غزوته أمام أسوار مدينة عكا (1801)، أرفق حملته بستمائة عالم وباحث في مختلف ضروب العلم والمعرفة، درسوا كل ما يمكن ملاحظته وتوثيقه عن حياة العرب والمسلمين؛ وحملوها معهم إلى بلاد الغرب. 
البيان رقم واحد
ويعتقد كثيرون أن الانقلابات العسكرية التي عصفت بالبلدان العربية، عقب نكبة فلسطين، كانت ردة فعل طبيعية شعبوية وعاطفية، رداً على النكبة ولمحاسبة المقصرين، من حكام ومتآمرين. لكن أول تلك الإنقلابات الذي شهدته سورية، بعد استقلالها، حدث عام 1949 وقام به حسني الزعيم، الذي اطاح بشكري القوتلي المنتخب؛ وأسس لحكم عسكري في سورية، كان من فعل الغرب وخدمة له ولمصالحه ولمصلحة "إسرائيل".
انقلاب الزعيم جاء بحجة رفض الفساد الحكومي، لكن الحقيقة انه حدث بعد ان رفضت حكومة القوتلي، توقيع اتفاق الهدنة مع "اسرائيل"؛ وترددت في القبول بمد خط التابلاين، لصالح شركة "ارامكو" السعودية الأميركية.
ويذكر ضابط المخابرات الأميركي مايلز كوبلاند أن "حسني الزعيم وعد الأميركيين بأنه سيقوم بحركة إيجابية تجاه إسرائيل، اذا نجح الانقلاب"، وسريعاً انكشف وجه حسني الزعيم ووقوف الأميركيين خلف انقلابه، إذ وقع الزعيم على اتفاقيتي الهدنة وخط "التابلاين"، ثم أعلن دعمه لمشروع عسكري يضم عددا من دول المنطقة، للوقوف في وجه الشيوعية، التي كانت تنطلق من موسكو، كما حل الزعيم الحزب الشيوعي السوري.
واللافت ان الحكومة التي شكلها الزعيم، حينذاك، ضمت عددا مميزا من خريجي الجامعات الفرنسية والاميركية. على شاكلة حكومة نواف سلام، التي إختارت السفارة الأميركية أعضائها ومعظمهم من خريجي الجامعات الأميركية.
والأدهى، أن أجهزة المخابرات المعادية، لعبت على حاسة الغضب العربي، فزورته. وتحفل مذكرات العديد من الشخصيات الصهيونية، وتحقيقات الأجهزة الأمنية العربية، بتأكيدات أن معظم ما تعرض له اليهود العرب، في الأقطار التي كانوا ينتمون لها، كان على أيدي المنظمات الصهيونية، لأنها أرادت إجبارهم على الهجرة الى فلسطين. ولم تكن ردات فعل محلية تعبر عن عنصرية تجاههم.
ولعل اخطر ما عملت عليه المخابرات الأميركية، هو تأسيسها لـ"تنظيم القاعدة"، بهدف محاربة الشيوعيين السوفيات، خلال وجودهم في افغانستان. وجعلت القتال هناك فرضاً على "المتأسلمين" من سلفيين وهابيين وإخوان مسلمين وغيرهم، ممن حولوا عبادتهم من الخالق الأعلى، إلى الأقوى والأغنى، أي أميركا. 
ولم يكن مفاجئاً أن يعترف أكثر من مسؤول أميركي، بأن المخابرات الأميركية هل التي أنشأت تنظيم إنشاء "داعش". و"داعش" هي إبنة السلفية الوهابية المتصهينة، التي أنشاتها انكلترا، عندما جمعت محمد بن عبد الوهاب، اليهودي العراقي، بإن سعود وأسسا معاً "جيش الإخوان" (نعم جيش الإخوان المسلمين)، الذي ارتكب عشرات المجازر بحق قبائل الجزيرة العربية؛ وقتل مئات الآلاف من المسلمين، حتى تمكن من إخضاعهم لحكمه.
ومنذ أن وقعت نكبة فلسطين، جرب العرب حكم الدولة الوطنية، لعلها تقوم بواجب التحرر والتحرير، ثم جربوا حكم الدولة القومية؛ وجربوا حكم اليسار على تنوعه، فكانت خيبة الأمل ودفع للأثمان الباهظة، فتلقاهم الأميركي وحلفه الشيطاني من "ناتو" وغيره؛ وقدم لهم "مشاريع إسلامية"، كان يفترض أن تكون من إنتاجهم، تعبيراً عن غضبهم وردات فعلهم على تحديات الغرب ودعمه المطلق لـ"إسرائيل". وإذا بتلك المشاريع "الإسلامية" هي مشاريع معادية للعرب وللمسلمين ولفلسطين، فبركتها أميركا والغرب والصهيونية، تخاطب العرب والمسلمين بلغة "جئناكم بالذبح" وبتدمير كل معالم الحضارة والعلم والتقدم لديهم.
هكذا، صنع الأميركي والبريطاني وحلفهم الغربي، تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" وأمثالهما، ليكونوا أدوات بأيدي أميركا و"إسرائيل" والغرب، بدلآ من يكونوا "البعبع" الإسلامي المتطرف، الذي يواجه تطرف الغرب وعدوان "إسرائيل، من دون أن نغفل، أن بريطانيا هي التي صنعت تنظيم "الإخوان المسلمين"، ليكون "معارضة شعبية" وأداتها لترويض الحكم الملكي في مصر.
وهذه القوى مجتمعة، في ذروة من التحريض الطائفي والمذهبي، أشعلت "ثورة" في سورية، كان مطلوباً منها أن تدفع دمشق قدما نحو الأمام، لتحقيق إنجازات عجز عنها النظام السابق، لكنها أنتجت كارثة ووبالاً على سورية والسوريين، فهي تريد إعادتهم 1400 سنة إلى الخلف، زيادة على التخلف العربي الموجود. فقد أحيت تلك "الثورة" صراعات القبائل والمذاهب والطوائف، تذبح كل من يخالفها الرأي وتكفره، في زمن بات عدو العرب والمسلمين الذي يحتل فلسطين، يحاربهم هو وداعموه بالذكاء الصناعي وبالطائرات الشبحية والمسيرات القناصة.
وبالمحصلة، يتسائلون عن ماهية التخلف والتبعية والضياع، قل إنهم أمامك وحولك وخلفك. إنه واقع العرب وحكامهم، خصوصاً عندما يدعون الإنتماء  إلى الله وإلى دينه العظيم، الذي تنكروا لنبيه وقرآنه وأبدلوه بسير وأحاديث تركز على التكفير والذبح والحلول محل الله، في محاسبة الناس على ما في ضمائرهم. وهم على الطريق للتخلي عن هذا الدين لصالح بدعة "الإبراهيمية" اليهودية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل