{فتية آمنوا بربهم} تأملات في قصة أهل الكهف

الخميس 24 تموز , 2025 09:36 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

 الثبات-إسلاميات 

في هذا اليوم العظيم، يوم الجمعة، حيث تتنزل الرحمات، وتُرفع الدعوات، وتُقرأ سورة الكهف، يقف القلب بخشوع أمام إحدى أعظم قصص القرآن، قصةٍ تنبض بالإيمان، وترسم لوحةً من الثبات في زمن الفتن، وتعلمنا كيف يكون الصبر على الحق نورًا، والاعتزال عن الباطل نجاةً 

إنها قصة أهل الكهف، الفتية الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فخلّد الله ذكرهم، وجعل قصتهم آيةً تتلى إلى يوم الدين، قال الله تعالى:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}

في بداية القصة، يرسم القرآن الملامح الأساسية لهؤلاء الفتية: شباب في عمر العنفوان، كان يمكن لهم أن ينغمسوا في لهو الحياة وزينتها، لكنهم سمعوا نداء الفطرة، وآمنوا بربهم، فزادهم الله نورًا وهدى

الفتنة العظيمة: دينٌ مُضطهد، وحقٌ يُقاوَم

  عاش الفتية في زمن ملكٍ طاغٍ، يفرض عبادة الأصنام، ويحارب التوحيد، فصدحوا بالحقيقة رغم الخوف والبطش: {وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَا مِن دُونِهِ إِلَٰهًا لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} 

إنها كلمات الحق، تُقال بثبات لا يخاف البطش، وصدقٍ لا يعرف التلوّن لذلك ربط الله على قلوبهم، فصاروا كالجبال في وجه الطغيان

الهجرة إلى الكهف: عزلة لله، لا يأسًا من الخلق

حين ضاق بهم الحال، وهُددوا في دينهم، لم يساوموا، بل لجأوا إلى كهفٍ بعيد، وهناك كانت المعجزة: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا }  فما أعظمها من عزلة! لم تكن هروبًا، بل كانت ثورةً بيضاء، واعتزالًا لأجل الإيمان، فبارك الله خطوتهم، ونشر رحمته في ذلك الكهف الضيّق، فجعل فيه سكينةً وسلامًا 

 الرقاد الأعجوبة: ثلاثمئةٍ وتسع سنوات!! 

ناموا بأمر الله، نومًا يفوق الخيال، ثلاثمئة وتسع سنين، ثم بعثهم ربهم ليكونوا آيةً للناس، ودليلًا على قدرة الله، وعلى أن النصر قد يتأخر، لكن الوعد لا يُخلف قال تعالى:{وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَـٰهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ} وكم في هذه الآية من عِبرة: قد لا ترى أثر ثباتك في حياتك، لكنّ الله يُظهره ولو بعد قرون، ويجعلك سببًا في هداية أقوام، وقيام حقٍّ، وزوال باطل   

ختاما: الثبات على الحق لا يُقاس بالسنين، بل باليقين

  الفتن لا تُواجه بالتنازل، بل بالإيمان واللجوء إلى الله

  الاعتزال أحيانًا يكون عبادة، إن كان لحفظ الدين واليقين

 كل من صدق مع الله، فإن الله سيتولى أمره، ويهيّئ له من أمره مرفقًا

  في هذا اليوم المبارك، ونحن نقرأ سورة الكهف، نتذكر أن الفتن لا تنقطع، وأن المواقف تتكرر، وأننا بحاجة إلى قلوب كقلوب أهل الكهف: صادقة، ثابتة، وموصولة بالله.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل