أقلام الثبات
يمثّل السلاح المقاوم في لبنان القضية المركزية للتحالف الأميركي - "الإسرائيلي"، باعتباره العقبة الرئيسة في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الأميركي الجديد ومشروع "إسرائيل الكبرى"، ونزعه هو مفتاح السيطرة على لبنان والمنطقة وبقاؤه يمثل التهديد الرئيسي لإجهاض هذا المشروع، رغم انتصارات أميركا و"إسرائيل" المرحلية، ووصولهما الى قمة السيطرة على القرار حتى الآن، دون ضمانة للبقاء في القمة .
ان الالتباس والإشكالية الكبرى التي يقع فيها أعداء وخصوم المقاومة، اعتبارهم ان قرار تسليم السلاح محصورٌ بالقرار السياسي او بقرار "الثنائية الشيعية" وإملاءات أميركا والضغط الإسرائيلي، بالنار او نقيق بعض الضفادع السياسية التي يربيها الأميركيون ويُطعمها بعض العرب، للبقاء على قيد الحياة السياسية .
إن قرار بقاء او تسليم السلاح هو نتيجة الصراع بين الطرف الأميركي - "الإسرائيلي" وحلفائهم من جهة، وقوى المقاومة أفرادً وجماعات من جهة أخرى وسيحدّده ميزان القوى والقدرة على الصمود او العجز عن انتزاعه بالقوة وتتحكم في قرار تسليمه، ثلاثة عوامل، تتشارك وتتكامل مع بعضها دون تفرّد بعضها او إلغاء بعضها وفق التالي:
- السلاح والحكم الشرعي: يتمايز السلاح المقاوم عن غيره ،بأن قرار حمله ، قد صدر بناءً لأمر إلهي يُوجب الدفاع عن الدين والنفس والوطن ،بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي والاجتياحات المتكررة {أُذِنَ لِلَّذِينَ يقتلون بأنهم ظلموا وَإِنَّ لله على نصرهم لَقَدِيرٌ } وان المقاومة تكليفٌ إلهي ،لا ينحصر بقرار حزبي او سياسي، بالإضافة ان شراء هذا السلاح قد تم بأموالٍ شرعية - في أغلبه - لها صفة "الوقف الديني" وحرمة بيعه او استبداله ولا صلاحية شرعية، لأي شخص أو قيادة، للتصرف به وفقاً لقرار سياسي أو مصلحة سياسية أو خوفٍ او ترغيب ،لأن الجماعة المُهدّدة ،بأمنها وارواحها وأرزاقها، لها حق الشراكة بالقرار ،لأنها كانت شريكة بالتضحيات وبالتمويل وبالاحتضان ولازالت ،ولا يمكن التعامل معها ،بأنها حقل حصاد ،تُباع سنابله عند الحاجة.
- القرار السياسي: السلاح له دوره السياسي ،خاصة أننا نعيش في عالم، تحكمه القوة الغاشمة ،التي تشكّل المصدر الرئيسي للتشريع وفرض القانون بعيداً عن العدالة والأخلاق، مما يفرض معادلة "ثنائية السلاح والقرار السياسي" فلا شراكة سياسية في أي نظام او تقرير مصير جماعة او وطن ،إلا إذا كان الأفراد او الجماعات ،يمتلكون القوة ،حيث تقرّر البنادق ،مصير الشعوب وتسلبها حقوقها وأوطانها أو تحميها وفي لبنان ،كان للسلاح المقاوم الدور الأساس في تقرير مصير لبنان ،بإلغاء اتفاق 17 ايار وتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي والمتعدّدة الجنسيات والشراكة في الحكم بعد انتفاضة شباط 1984 ومن يتنازل عن السلاح ،يعلن اعتزاله السياسي واستسلامه وخسارته حقوق المواطنة والتراجع الى دائرة الرعايا والعبيد.
- الظروف والأسباب :ان قرار نزع السلاح أو تسليمه، يرتبط بالظروف التي استدعت مبادرة المواطنين للتسلّح، للدفاع عن أنفسهم الاحتلال واجتياحاته وعدوانه المستمر منذ ما قبل ولادة المقاومة ولعدم وجود دولة قادرة أو ترغب بحماية بعض شعبها في الجنوب وفشل تجربة الحماية الدولية ومع بقاء هذه الظروف ،مما يفرض بقاء هذا السلاح بيد المقاومة الشعبية حتى تأمين البديل المادي والسياسي الموثوق والآمن وهو غير متوفر حتى الآن وتصريح المبعوث الأميركي ،بعدم وجود ضمانات لمنع إسرائيل من العدوان على لبنان!
إن قرار تسليم السلاح ،يرتبط بهذه العوامل الثلاث التي تفرض حتى الآن ، بقاء السلاح وعدم الاستسلام ،لتأمين أمن الجماعة التي تفتقد الأمان والمُهدّدة وجودياً والتي تقاتل الآن وحيدة في الميدان وقد استفردها الأعداء والخصوم .
صحيحٌ...أننا نعيش ظروفاً استثنائية صعبة، تشابه ما عشناه في اجتياح عام 82 مع زيادة في الحصار والغدر والحقد وتشابه ما عاشه أجدادنا من اضطهاد وقتل وحصار وتهجير من كل أنظمة الحكم وجيوش الاحتلال والغزو وفتاوى التكفير، لكنهم صمدوا وقاتلوا وحفظوا دينهم ووجودهم ولا خيار لنا سوى الصمود والقتال ،لأن الخيار الآخر الذي يبدأ بتسليم السلاح ،سينتهي بنا ،للذبح والقتل والسبي والإذلال.
لا ندعو الى الانتحار او المغامرة بمصير الجماعة، بل للعقلانية والحكمة والصبر وعدم التهوّر والانفعال او التنازل ،بدافع الخوف او المصالح حتى لا نقع في خطيئة تسليم السلاح وكما قال الإمام الحسين (عليه السلام) (هيهات... لوتُرِك القَطا...لغفا ونام... ).ولن يتركونا.
فلنصبر ونسلّم أمرنا لله سبحانه... (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذألك أَمْرًا)... وسيكون خيراً بإذن الله.
سينصرنا الله سبحانه، شرط ان نبقى على اعتقادنا.. {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، وليس من عند أحد.
السلاح... وثلاثية الحكم الشرعي والقرار السياسي والظروف _ د. نسيب حطيط
الجمعة 25 تموز , 2025 09:58 توقيت بيروت
أقلام الثبات

