التصوف الإسلامي ودوره في بناء المجتمع

الثلاثاء 22 تموز , 2025 11:10 توقيت بيروت تصوّف

الثبات- تصوف

 في عالمٍ تمزّقه الصراعات، وتتقاذفه المادّيات، يلوح التصوّف الإسلامي كقبس نورٍ يُعيد للروح إنسانيتها، وللمجتمع تماسكه، وللأخلاق سموّها  وليس التصوف بدعًا من الدين، بل هو لبٌّ من لُبابه، وروحٌ من روحه، يعيش في أعماق الإسلام منذ فجره الأول، يتنفس من آي القرآن، ويسير على خُطا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم  

ماهية التصوّف: روح الدين وسرّه  التصوف ليس مجرد لبس الخرقة أو اعتزال الدنيا، بل هو تربية للنفس، وتزكية للروح، وسلوكٌ نحو الله تعالى، عبر مقام الإحسان الذي عبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))

ومن هذا المقام، تتفرّع مقامات الصدق، والصبر، والزهد، والرضا، والمحبة

 دور التصوف في بناء الفرد والمجتمع:

 1. تزكية النفوس وبناء الأخلاق

المجتمع لا يقوم على البُنى التحتية فقط، بل على القيم العليا  والتصوف كان مدرسة لتخريج الرجال والنساء الذين يجاهدون أنفسهم قبل أعدائهم، فيصيرون دعاة سلام، وحملة نور، وسفراء رحمة ينهلون من معاني التواضع، والتسامح، والعفو، والرحمة، فيصبحون لبنات صالحة في صرح الأمة  

2. نشر السلم المجتمعي والتسامح

التصوف ينبذ العنف والتطرف، ويدعو إلى الرحمة والتآخي  فكم من الطرق الصوفية انتشرت في إفريقيا وآسيا، لا بالسيف، بل بالكلمة الطيبة، والسلوك الراقي، فدخل الناس في دين الله أفواجًا، وتألفت القلوب بعد شتات  

3. خدمة الإنسان والوقوف مع الفقراء

لم يكن الصوفي منطويًا على سجادته، بل كان في الأسواق، وفي ميادين العمل، يطعم الجائع، ويكسو العاري، ويعالج المريض  فالزهد عندهم لا يعني ترك العمل، بل يعني أن تملك الدنيا ولا تملكك، وأن تكون في يدك لا في قلبك  

4. تعزيز الانتماء الحضاري والديني من خلال الأذكار، والمواسم، والإنشاد، والآداب الخاصة، يحفظ التصوف روح التراث، ويمنح الإنسان جذورًا في تربة الإيمان، فلا يتزعزع أمام رياح التغريب أو الذوبان في الآخر  

5. مواجهة المادية والفراغ الروحي

في زمنٍ يُقدَّس فيه الجسد وتُهمَل الروح، يقدّم التصوف دواء القلوب العطشى، ويعيد التوازن بين الجسد والروح، بين المادة والمعنى، فيعيش الإنسان حياةً متزنة، مليئة بالسكينة والرضا  

6. العمل والجهاد لا الخمول والانزواء

من الظلم أن يُتَّهم أهل التصوف بالكسل أو الهروب من ميادين الحياة، فقد كانوا في طليعة المجاهدين والباذلين، يرون في العمل عبادة، وفي الجهاد سلوكًا لله تعالى

ألم يكن صلاح الدين الأيوبي، القائد المجاهد، متأثرًا بالتصوف ومحبًّا للصالحين، يستمد منهم العزيمة والروح، ويقود جيوش التحرير بروحٍ مؤمنة لا تعرف الانهزام؟

ألم يكن الشيخ عبد القادر الجيلاني إمامًا في التصوف، ومع ذلك كان عالِمًا ومجاهدًا ومصلحًا؟

ألم يقف الشيخ عمر المختار، وهو من أهل الطريقة السنوسية، في وجه الاستعمار الإيطالي ببسالة الصالحين، ويُسطّر بدمه أروع صفحات الجهاد والتضحية؟

أهل التصوف هم أولياءُ عملٍ لا بطالة، وجهادٍ لا عزلة، وعزيمةٍ لا وهن، يجمعون بين الذكر والسيف، بين الخشوع والقيادة، بين تهذيب النفس ونصرة الأمة 

خاتما: التصوف ليس ترفًا... بل ضرورة  

إن بناء المجتمعات لا يكون بالسياسة وحدها، ولا بالاقتصاد فحسب، بل لا بد من بناء الإنسان في جوهره، وتزكية روحه، وهداية قلبه  وهنا يتجلّى دور التصوف، كقوة ناعمة، تحرّك ضمائر الناس، وتُصلح سرائرهم، فيُصلح الله بهم ما فسد من الأرض

 فطوبى لأهل التصوف الصادقين، الذين جمعوا بين حب الله وحب الناس، وبين العبادة والعمل، وكانوا أطباء القلوب، ومهندسي الأرواح، وبُنَاة المجتمعات.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل