الثبات-تصوف
وإن السادة الصوفية إذ يتحققون بمراتب الورع المتسامية، إنما يحيون لنا ذكر الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم.
فقد روي أن الصدّيق رضي الله عنه أكل طعاما أتاه به غلامه، ثم أخبره الغلام أن فيه شبهة، فما وسع الصدّيق رضي الله عنه إلا أن أدخل يده في فمه، فقاء كل شيء في بطنه.
وكان يقول: كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام.
وحمل إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مسك من الغنائم، فقبض على مشامّه وقال: إنما ينتفع من هذا بريحه، وأنا أكره أن أجد ريحه دون المسلمين.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: اشتريت إبلا، وسقتها إلى الحمى، فلما سمنت؛ قدمت بها، فدخل عمر رضي الله عنه السوق فرأى إبلا سمانا.
فقال: لمن هذه؟ فقيل: لعبد الله بن عمر فجعل يقول: يا عبد الله! بخ بخ ... ابن أمير المؤمنين
وقال: ما هذه الإبل؟! قلت: إبل أنضاء هزيلة اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون.
فقال: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين! يا عبد الله بن عمر خذ رأس مالك، واجعل الربح في بيت مال المسلمين.
قال خزيمة بن ثابت: كان عمر إذا استعمل عاملا كتب له عهدا وأشهد عليه رهطا، واشترط أن لا يركب برذونا ولا يأكل نقيا، ولا يلبس رقيقا، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات، فإن فعل شيئا من ذلك حلت عليه العقوبة.
وقصته مع زوجته معروفة، يوم اقتصدت لتشتري الحلوى، وطالبته بالشراء فقال: من أين لك ثمن الحلوى؟ قالت: اقتصدت قال: رديه لبيت المال فلو احتجت إليه ما اقتصدت.
وهو الذي كان يجوع لتشبع رعيته.
وكان لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه غلام يأتيه بقمقم من ماء مسخّن يتوضأ منه، فقال للغلام يوما: أتذهب بهذا القمقم إلى مطبخ المسلمين فتجعله عنده حتى يسخن، ثم تأتي به؟ قال: نعم، أصلحك الله. قال: أفسدته علينا.
قال: فأمر مزاحما أن يغلي ذلك القمقم، ثم ينظر ما يدخل فيه من الحطب، ثم يحسب تلك الأيام التي كان يغليه فيها، فيجعله حطبا في المطبخ
وقال العلامة المناوي رحمه الله تعالى: وقد رجع ابن المبارك رحمه الله من خراسان إلى الشام في رد قلم استعاره منها ... وبعد أن أورد المناوي عدة قصص في ورع الصوفية قال: فانظر إلى ورع هؤلاء، وتشبّه بهم إن أردت السعادة
وحكي عن بشر الحافي رحمه الله تعالى أنه حمل إلى دعوة، فوضع بين يديه طعام، فجهد أن يمد يده إليه، فلم تمتد، ثم جهد فلم تمتد ثلاث مرات، فقال رجل ممن كان يعرفه: إن يده لا تمتد إلى طعام حرام، أو فيه شبهة، ما كان أغنى صاحب هذه الدعوة أن يدعو هذا الرجل إلى بيته.
فما نهج الصوفية في ورعهم إلا اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه الكرام، وأثر من آثار حبهم لله تعالى وتمسكهم بهديه، ونتيجة لخوفهم الشديد من أن يقعوا في مخالفة لله تعالى.
لأن من ذاق طعم الإيمان أكرمه الله بالتقوى، ومن تحقق بالتقوى كان عن الشبهات متورعا، ومن الله تعالى خائفا ولفضله راجيا
كما قال شاه الكرماني: علامة التقوى الورع، وعلامة الورع الوقوف عند الشبهات، وعلامة الخوف الحزن، وعلامة الرجاء حسن الطاعة.
فاجتهد أيها القارئ أن تلحق بأهل الهمم العالية، وجالسهم لتجانسهم ومن جالس جانس.
حقائق عن التصوف... الورع وفضله من السنة النبوية المطهرة
حقائق عن التصوف...الورع تعريفه مراتبه
حقائق عن التصوف....طريق الوصول للزهد