أقلام الثبات
تتعرّض سوريا منذ العام 2011 لحرب عالمية تقودها أميركا ويموّلها العرب، وتقودها تركيا و"إسرائيل" ميدانياً، ويخوض معاركها الجماعات التكفيرية التي تم تجميعها كما تم تجميع الأفغان العرب في افغانستان ضد الإتحاد السوفياتي، وقد توزعت هذه الحرب على ثلاثة مراحل:
- المرحلة الاولى: مرحلة تقويض وزعزعة النظام، واستمرت 13 عاماً، فأنهكت الشعب والجيش والدولة السورية وقسّمت الجغرافيا وهجّرت شعبها وحوّلت سوريا إلى جغرافيا مفتوحة ،للتدخل الأجنبي ،فأقامت أميركا قواعدها العسكرية وسرقت النفط بالتعاون مع تركيا التي احتلت الشمال، وأقام الأكراد حكماً ذاتياً وفتح بعض الدروز " بوابة معروف" للتعامل مع العدو "الاسرائيلي" وانتهت هذه المرحلة بإسقاط النظام وهروب أو خطف الرئيس الأسد!
- المرحلة الثانية "دولة إدلب الكبرى": بدأت بإسقاط النظام واغتصاب جبهة النصرة للسلطة، والاستيلاء على الحكم دون انتقال دستوري، فالرئيس الأسد لم يسلّم السلطة ولم يعزله مجلس الشعب المُنتخب دستورياً ولم ينتخب الشعب السوري الجولاني رئيساً، وتم حل الجيش والأجهزة الأمنية ،فدمّرت اسرائيل القدرات العسكرية التي جمعتها سوريا طوال 50 عاماً وصارت سوريا، بلا جيش ولا أجهزة أمن مؤسساتية مع محاولة جبهة النصرة، تصنيف عناصرها مع الجماعات التكفيرية ،بأنهم الجيش السوري النظامي الذي لا يجمعه لباس واحد ولا قوانين انضباط ،بل أمراء ومجموعات، تتحرك بفكر تكفيري ،تقتل وتسرق وتسبي وتنهب وتخطف وتشعل الفتنة المذهبية ضد العلويين والدروز والمسيحيين والشيعة والعلمانيين والسنّة من المذاهب الأربعة الذين تتناقض افكارهم وعقيدتهم مع الفكر التكفيري.
- المرحلة الثالثة: " الفوضى وتفكيك الدولة" والعمل على إنهاء منظومة الدولة الواحدة(مؤسسات وشعب) والبدء بتقسيم سوريا إلى إمارات وكانتونات طائفية وقومية ضعيفة متناحرة للثالوث (الأمريكي - "الإسرائيلي" - التركي)، ولتحقيق هذا المشروع بدأت الجماعات التكفيرية، بقيادة الجولاني ، المجازر ضد العلويين و ضد الدروز ،لتكرار نموذج أفغانستان الذي استمر 20 عاماً من الفوضى والقتل والإمارات والأمراء المتحاربين ،لفتح الطريق أمام اسرائيل للتحكم بسوريا المشتّتة والمخلّعة الأبواب والتقدم نحو حدود العراق وتطويق المقاومة في لبنان من الجنوب والشرق والشمال وفرض التطبيع والسلام على "سوريا - الجولاني" الذي يحكم بصلاحيات "ملك" غير مقيّد وفق المنهج الأموي ، فلا حكومة ولا مجلس شعب ولا أحزاب، بالتلازم مع ترهيب وتهميش الشعب السوري، وعدم إجراء استفتاء على التطبيع والسلام مع اسرائيل أو لجهة وحدة سوريا المهدّدة بالتفكيك والتقسيم والقضم من الاحتلالين الإسرائيلي والتركي وسرقة ثرواتها من النفط والغاز وتدمير هويتها الثقافية والحضارية ضمن مشروع "إسرائيل الكبرى" و "الشرق الأوسط الأميركي الجديد".
إن ما يثير الاستغراب صمت الشعب السوري الذي عرفناه شعباً عروبياً مقاوماً حاضناً، لحركات المقاومة أشخاصاً وجماعات وملجأ اللاجئين السياسيين الهاربين من أنظمتهم والأدباء والشعراء المحكومين بالإعدام والنفي .
صمت الشعب السوري ونُخبه الثقافية والدينية وأحزابه المقاومة الوطنية والعروبية ، يسهّل على التحالف الأميركي - "الإسرائيلي" - التركي، تقسيم سوريا ومع تفهّمنا للظروف التي يعيشها السوريون منذ 14 عاماُ ونتيجة لصناعة الشخصية "الشاميّة" تاريخياً، بأنها شخصية "تبايع" السلطة ،نتيجة الخوف من القمع منذ الدولة الأموية ،لكن ذلك لا يبرّر هذا الصمت والاستسلام والانهزام، وقد عشنا في لبنان ولانزال ظروفاً أسوأ منها وأكثر صعوبة ولم نستسلم ولا زلنا نقاوم.
فليبادر الوطنيون السوريون من كل الطوائف والمذاهب، خاصة وأنهم لم يكونوا مصابين بهذا الوباء المذهبي والطائفي خلال العقود الماضية، فالسيد محسن الأمين الشيعي والشيخ سلطان باشا الاطرش الدرزي والشيخ صالح العلي العلوي وفارس الخوري المسيحي ويوسف العظمة السنّي كانوا شركاء في المقاومة المدنية والعسكرية ،لاستقلال سوريا من الاستعمار الفرنسي ويمكن إعادة بناء حركة التحرير الوطنية السورية من بوابة مقاومة الاحتلال "الإسرائيلي" الذي يجب ان يكون عاملاً جامعاً لوحدة السوريين، بمن فيهم الأحزاب الدينية من الإخوان المسلمين والجماعات التكفيرية التي ترفع شعار "إن الحكم الا لله" وعليها أن لا تستسلم ولا تعمل "لأن يكون الحكم لنتنياهو وترامب" إذا كانت صادقة في شعاراتها أم انها تصر على ممارسة الخداع والقتال ضد المسلمين السنة والشيعة والدروز والمسيحيين والعلويين والإزيديين وحتى حركات المقاومة السنّية بحجّة انها مغامرة او متحالفة مع الرافضة ولم تطلق رصاصة واحدة ضد الصهاينة!
إن تعيين أميركا، لمبعوث واحد للبنان وسوريا ،يثير الخوف من العمل لتوحيد الساحتين اللبنانية والسورية وربطهما مع بعض، لجهة الفوضى والفتن المذهبية والطائفية وجرّهما "بالرسن" الأميركي، لتوقيع اتفاقيات السلام وفرض التطبيع.
كل من يقاتل "إسرائيل" فهو حليفنا حتى لو قاتلنا سابقاً... وكل حليف "لإسرائيل" هو عدوّنا، مهما كان مذهبه، فالموقف من "إسرائيل" يلغي العصبية المذهبية والطائفية.
المرحلة الثالثة من الحرب: الفوضى وتفكيك سوريا _ د. نسيب حطيط
الخميس 17 تموز , 2025 11:48 توقيت بيروت
أقلام الثبات

