خاص الثبات
بينما تتظاهر واشنطن بالحرص على "استقرار لبنان"، تتكشّف الحقيقة المرة: ما يُطبخ خلف الأبواب المغلقة ليس إلا محاولة جديدة لتسليم لبنان إلى دمشق، لكن ليست دمشق الدولة، بل دمشق المنهارة التي تحولت إلى ذراع أمنية بيد تحالفات مشبوهة، عنوانها العريض الإرهاب المموّل، ومحتواها مليشيات جولانية متناحرة، وتحالفات إقليمية مهزومة.
عندما ينطق توم باراك باسم المؤامرة
حين يخرج رجل مثل توم باراك ليطرح، بصراحة تامة، إعادة لبنان إلى "حضن دمشق"، فهو لا يرتجل فكرة من بنات خياله، بل يتحدث بلسان حال تحالف إقليمي – دولي متكامل، هدفه النهائي واضح: تفكيك ما تبقّى من كيانات مستقلة ومقاومة، وتحويلها إلى "أقاليم أمنية" تُدار بالريموت من غرف عمليات أمنية دولية، لا عبر مؤسسات دولة ذات سيادة.
وما يزيد الصورة قتامة هو هذا الصمت اللبناني المريب. بعض السياسيين الذين صدّعوا رؤوس اللبنانيين بشعارات "السيادة والحرية والاستقلال"، باتوا إما يبررون هذا المشروع، أو يتوارون خلف بيانات رمادية خجولة لا ترتقي إلى مستوى الكارثة المقبلة.
تريد واشنطن من بيروت أن تكون مجرد مركز تحكم خاضع، تتقاطع فيه المصالح الدولية، وتختنق فيه الأصوات الحرة. لا جيش، لا قرار، لا سيادة. فقط أدوات تنفيذ. وفوق هذا كلّه نزع سلاح المقاومة، ومطالبة اللبنانيين بالشكر لأنهم لم يُمحَوا تمامًا عن الخارطة!
إن كانت واشنطن "تحبنا" كما يدّعي بعض المتذاكين، فلماذا تقدم لبنان هدية مجانية لجماعات كالجولاني؟ ولماذا تُفرض عليه تسويات بالتهديد الاقتصادي والضغط السياسي؟ ولماذا يُطلب من اللبناني أن يصمت، بينما يُدار وطنه من الخارج؟
لبنان ليس للبيع… لا للغرب ولا للشرق
من يراهن على التسويات الدولية، سيفهم متأخرًا أن لا أحد يحمي كيانًا لا يحمي نفسه. لبنان ليس للبيع، لا للغرب الذي يتعامل معه كورقة مساومة، ولا للشرق الذي يراه حديقة خلفية لمشاريعه المذهبية والأمنية.
السكوت على هذا المخطط ليس حيادًا، بل خيانة. وإن لم يُرفع الصوت الآن، فغدًا لن يُسمع صدى أي اعتراض، لأن "لبنان" نفسه سيكون مجرد سطر منسي في كتاب جغرافيا قديم.
الرسالة الأخيرة: من يتنازل عن متر، يخسر وطنًا
من يقبل بأن تُسلب شبعا، سيعتاد أن تُسلب بيروت. ومن يتسامح مع التدخل الأميركي أو السوري اليوم، سيجد نفسه غدًا بلا هوية، بلا جيش، وبلا جمهورية. لبنان لن يُضم، ولن يُبتلع. لكن هذا لا يعني أنه محصَّن. بل يعني أن على أبنائه أن يقفوا. الآن.