حقائق عن التصوف.... مقام الزهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

السبت 12 تموز , 2025 03:31 توقيت بيروت تصوّف

 الثبات-تصوف

وإذا استعرضنا سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نجده كثيرا ما يوجه أصحابه إلى العزوف عن الدنيا والزهد في زخارفها، وذلك بتصغير شأنها وتحقير مفاتنها كل ذلك كي لا تشغلهم عن المهمة العظمى التي خلقوا من أجلها، ولا تقطعهم عن الرسالة المقدسة التي يحملونها

فتارة يبين أن الله تعالى جعل الدنيا زينة لنا ابتلاء واختبارا لينظر هل نتصرف فيها على نحو ما يرضيه أم لا؟  فيقول عليه الصلاة والسّلام: ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقو النساء))

وتارة ينبه الرسول عليه الصلاة والسّلام أصحابه إلى أن الدنيا ظل زائل ومتعة عابرة، حتى لا يركنوا إليها فتقطعهم عن الله تعالى، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))  وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك" 

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حصيرفقام وقد أثّر في جنبه، فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء فقال: ((ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب، استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها))  

وتارة يشير الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى حقارة شأنها في نظر الحق سبحانه فيقول: ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء))

وهكذا سار الرسول عليه الصلاة والسّلام هو وخلفاؤه وأصحابه الكرام على هذ المنهج الكريم، فعزفت نفوسهم عن الدنيا، وزهدت قلوبهم فيها مرت بهم فترات من الفقر والشدائد والمحن فما ازدادوا إلا صبرا وتسليم ورضاء بحكم الله تعالى، ثم جاءتهم الدنيا صاغرة، وألقت بين أيديهم خزائنه ومقاليدها فاتخذوها سلّما للآخرة ووسيلة إلى رضوان الله تعالى، دون أن تشغل قلوبهم عن الله تعالى وطاعته، أو توقعهم في الترف والبطر، أو الكبر والغرور، أو الشح والبخل  فقد خرج أبو بكر رضي الله عنه عن ماله كله في سبيل الله، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((ما تركت لأهلك؟)) قال: "تركت الله ورسوله"  

وأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو صاحب اليد الطولى في هذا المضمار، وببذله وزهده تضرب الأمثال

وأما عثمان رضي الله عنه فهو الذي جهز جيش العسرة، وأنفق عليه من ماله، غير مكترث بعظم هذه النفقات بجانب رضاء الله، ولبالغ تضحيته وإيثاره وعزوفه عن الدنيا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حقه: ((ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم))

وكتب السيرة طافحة بأخبار زهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وزهد أصحابه الكرام رضوان الله عليهم ويضيق المجال عن التفصيل، ونكتفي بذكر النبذ اليسيرة التالية:

عن نافع قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "والله ما شمل النبي صلّى الله عليه وسلّم في بيته ولا خارج بيته ثلاثة أثواب، ولا شمل أبا بكر في بيته ثلاثة أثواب، غير أني كنت أرى كساهم إذا أحرموا، كان لكل واحد منهم مئزر ومشمل لعلها كله بثمن درع أحدكم، والله لقد رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يرقع ثوبه، ورأيت أب بكر تخلل بالعباءة، ورأيت عمر يرقع جبته برقاع من أدم وهو أمير المؤمنين، وإني لأعرف في وقتي هذا من يجيز المائة، ولو شئت لقلت ألفا"

  وقالت حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما لعمر: "يا أمير المؤمنين لو لبست ثوبا هو ألين من ثوبك، وأكلت طعاما هو ألين من طعامك، وقد وسّع الله من الرزق وأكثر من الخير، فقال: إني سأخصمك إلى نفسك، ألا تذكرين ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلقى من شدة العيش؟ فما زال يذكّرها حتى أبكاها، فقال لها: أما والله لئن استطعت لأشاركهما في مثل عيشهما الشديد لعلّي أدرك معهما عيشهما الرخي"

  وعن قتادة رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبطأ عن الناس يوم الجمعة، قال: ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه وقال: "إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل ولم يكن لي ثوب غيره"

  وما حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه الكرام إلا القدوة العملية الكاملة التي سار المؤمنون الصادقون على نهجها فكانوا مثالا للزهد والعفة والطهر والاستقامة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل