أقلام الثبات
يشنّ الوزير وليد جنبلاط حرباً على لبنان والمقاومة وأصحاب الأملاك، بإصدار أحكامه المبرمة دون دليل على أن مزارع شبعا أراضٍ سورية وليست لبنانية، وأعطاها هدية لنظام الجولاني، وبعدها للعدو "الإسرائيلي" الذي استطاع إعادة احتلال جبل الشيخ والجنوب السوري، ويريد التمدد لإنجاز الشريط العازل من الناقورة في لبنان - القرى التي دمّرتها إسرائيل وتمنع عودة سكانها - بالمنطقة العازلة السورية التي أقامتها في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وتشكّل شبعا حاجزاً جغرافياً يقطع التواصل بين الجولان الدرزي المحتل والمناطق الدرزية في لبنان، وصولاً حتى الشوف والباروك، ويصر الوزير جنبلاط على تدمير هذا الحاجز الجغرافي ،لتسهيل ولادة الإمارة الدرزية المُزمع تأسيسها ضمن مشروع الإمارات المذهبية في الشرق الأوسط، خصوصاً في لبنان وسوريا.
ان التنازل عن شبعا أمرٌ خطيرٌ وسهم مسموم مثلث الشعب ،حيث ان التنازل عنها سيتبعه تهجير كفرشوبا والخيام، وقطع الطريق بين البقاع والجنوب عبر البقاع الغربي، والتمدّد "الإسرائيلي" الى الشوف وصولاً الى الساحل في منطقه الدامور، وقطع طريق بيروت - الجنوب، وكان البعض يعيب على المقاومة ويتهمها باحتكار قرار الحرب والسلم ،فلماذا يبادر لاحتكار قرار التنازل عن شبعا نيابة عن الدولة ولا يلتزم بشعار "حصرية "تحديد الهوية الجغرافية بالدولة.
أثناء الاحتلال "الإسرائيلي" للبنان تقدّم عددٌ من المقاولين "الإسرائيليين"، وبمشاركة متعهد لبناني، بطلب قرض لأحد المصارف اللبنانية في صيدا لتمويل شق أوتوستراد، يربط مدينة صيدا ،عبر سهل "بسري" صعوداً الى بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، ومروراً بمنطقتي جزين والعرقوب، بكلفة تقديرية حوالي 130 مليون دولار، لكن هذا المصرف امتنع عن تقديم القرض، لأن القانون اللبناني لا يسمح بتقديم كفالات وقروض "للإسرائيليين"، وبعد التطبيع سيجيز القانون ذلك، وسيتم شق الأوتوستراد.
يقدّم الوزير جنبلاط هدية لنظام الجولاني لحماية الدروز في سوريا، لكنه في الحقيقة يقدّم هدية لنفسه بالمبادرة لتسهيل ولادة الإمارة الدرزية الموعودة، وتبقى "إسرائيل" الرابح الأكبر والأساسي من هذه الخطيئة التي تحقّق الأهداف التالية:
سلب المقاومة أحد أوراق القوة المتمثلة بشعار تحرير مزارع شبعا.
حصر المقاومة بالقرى الشيعية - كما هو الآن - وحصر الصراع "الإسرائيلي" مع لبنان بالطائفة الشيعية بالتلازم مع الحياد الظاهري للدروز والتحالف الميداني لأغلب المسيحيين مع "إسرائيل"، والصمت السنّي الذي سيرضخ للضغوط الخليجية لمبايعة الجولاني (أمير التطبيع والسلام) مع "إسرائيل"، ليبقى الشيعة وبعض الوطنيين اللبنانيين من المذاهب الأخرى في دائرة الصراع والقتل والتهديد الوجودي للمشروع المقاوم.
المُستغرب هو صمت الحكومة ومجلس النواب والمسؤولين اللبنانيين والقوى السياسية عن هذه الخطيئة السياسية الكبرى التي تتلازم مع الدعوة الى التطبيع ونزع سلاح المقاومة، وإعلان "الاستسلام" من فريق لم يقاتل "إسرائيل"، والتحرك الخجول لأصحاب الأملاك في شبعا.
المشروع الوطني المقاوم يتعرّض للحرب الأميركية السياسية والاقتصادية والحرب "الإسرائيلية" بالاغتيالات والقصف والتدمير والتهجير، وبالحرب من بعض اللبنانيين الذين ينتهجون نهجاً سياسياً، شعاره "الأنانية السياسية" والمصلحة المذهبية المؤقتة، فبعضهم يهدي شبعا ورأس المقاومة وسلاحها الى العدو "الاسرائيلي" وبعضهم يتطوّع للقتال الإعلامي وربما الميداني نيابة عن "إسرائيل" والجماعات التكفيرية، وبعضهم بقصد او غير قصد يحضّر حطب الفتنة المذهبية.
يبدو أننا امام تكرار لمشهديات اجتياح عام 1982 من الحياد الدرزي، الى التحالف المسيحي مع العدو "الاسرائيلي" وارتكاب المجازر، والتدخل الأميركي مع تبديل الهدف الذي كان عام 82 قطع رأس المقاومة الفلسطينية، والآن قطع رأس المقاومة اللبنانية.
رغم الظروف القاسية والحصار وسقوط سوريا وبقاء المقاومين في ساحة الميدان وحدهم، فإن المستقبل رغم مآسيه القادمة سيكون لصالح المشروع المقاوم؛ كما انتهى الاجتياح "الاسرائيلي" بتحرير لبنان بعد 18 عاماً من المقاومة.
إننا أمام "عشرية" من المواجهة والمقاومة والحرب الناعمة والساخنة، الخارجية والداخلية، وعلينا الصمود وألا ننهزم ولا نستسلم، ولن يطول زمن الخسارات حتى يبدأ المشهد القاتم والأسود بالانجلاء نحو الأبيض المكلّل بالنصر والعزة والكرامة والأمل بالنصر الإلهي، وللمهرولين، خوفاً او عمالةً، نقول: تريّثوا قليلاً قبل رفعكم الرايات البيضاء، ونذكركم بالآية الكريمة {لا تدري لعل الله يُحدث بعد ذلك أمراً}.
التنازل عن شبعا لاستكمال المنطقة العازلة وتأسيس الإمارة الدرزية _ د. نسيب حطيط
الخميس 10 تموز , 2025 02:31 توقيت بيروت
أقلام الثبات

