أقلام الثبات
لأول مرة في تاريخ الصراع العربي - "الإسرائيلي" تقوم "إسرائيل" بالقتل على الهوية والانتماء المذهبي والمنطقة الجغرافية الموسومة مذهبياً، فتدمّر القرية الشيعية او الشقة التي يسكنها شيعة، حتى أن بعض اللبنانيين، حلفاء "اسرائيل" والمعادين للمقاومة، يطلبون إبراز هويتك لمعرفة مذهبك، ثم يعلنون رفضهم لتأجيرك أو شراء شقة عندهم وبشكل فاضح، ومن الأمور الغريبة ان الفاصل بين المناطق التي تتعرّض للقصف والتهجير يمكن أن يكون شارعاً بعرض 10 أمتار.
أعلنت "إسرائيل" حربها على الشيعة، ليس كمذهب يختلف عن المذاهب الإسلامية الأخرى والجماعات التكفيرية بطريقة الصلاة أو الحج والصوم، لكن كمذهب يرفض التطبيع والاعتراف "بإسرائيل"، ويدعو الى المقاومة لتحرير القدس، ويدعم المقاومين الفلسطينيين وكل مقاومة ضد المشروع الأميركي - "الإسرائيلي"، وصار كل مقاوم مهما، كان مذهبه وطائفته، "شيعياً"، حتى المقاومون الفلسطينيون يتم حصارهم في مذاهبهم لأنهم يتعاونون مع "الشيعة الروافض" ولا يجيزون قراءة الفاتحة على الشهيد اسماعيل هنية، ويعيدون صلاه الجنازة عليه، لتحريض المذاهب السنية عليهم، وحصارهم من المتعصبين مذهبياً، لتبرير خيانة المسلمين الذين لا ينصرون غزة ويساعدون "اسرائيل" ويتحالفون معها، لاعتبارهم أن أهل غزة "سنّة" يتحالفون مع الشيعة "الروافض".
شنت أميركا في سبعينيات القرن الماضي حرباً على حركات المقاومة ذات العقيدة الشيوعية، واستطاعت تحريض الأنظمة والمؤسسات الدينية والمشايخ وأهل الإفتاء والآباء والأمهات ضد الشيوعيين، وأصدروا الفتاوى ووصفوهم بالملحدين والكافرين، وصار كل معارض للسلطة مُتهماً بأنه شيوعي، ولو كان إمام مسجد ويقيم الصلوات الخمس ويصوم شهر رمضان، فحُوصر الشيوعيون الذين يهدفون الى التغيير ويطالبون بالعدالة والمجتمع المسلم، واستطاعت اميركا القضاء على الاتحاد السوفياتي من بوابة حرب أفغانستان التي تم استنزاف الاتحاد السوفياتي فيها بواسطة الجماعات التكفيرية والأفغان العرب الذين حشدتهم اميركا من كل بلاد المسلمين لقتال الكافرين السوفيات، وتعيد اميركا تكرار نفس التجربة واتهام كل مقاوم لأميركا و"إسرائيل" بأنه شيعي، وتحشد كل المذاهب ضده في حرب مذهبية وتأمين "عدوٍ شيعي كافر" للجماعات التكفيرية لقتاله ،سواء كان المقاومون ،شيعة "اثنا عشرية " أو شيعة "علويين" أو شيعة "دروز" أو شيعة "زيديين" في اليمن، ولقتال السنّة المتحالفين معهم واتهامهم "بالردّة" والضلال، لإنهاك واستنزاف القوى المقاومة للمشروع الأميركي - "الإسرائيلي"، فأسقطوا النظام السوري لأنه "علوي"، وأسقطوا النظام في ليبيا لأنه يؤمن بالكتاب الاخضر وليس القرآن، وقاتلوا الشيوعيين السوفيات الكفرة في أفغانستان، ويحاولون إسقاط النظام الشيعي في العراق والمقاومة الشيعية في لبنان، لكن الجماعات التكفيرية والمذاهب الأربعة العربية والتركية والتكفيرية فإنها تنوي الغداء مع رسول الله الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فتقتل المسلمين والمسيحيين، وتتحالف مع "إسرائيل" اليهودية التي تحتل فلسطين والقدس!
إن الحرب التي تشنّها "إسرائيل" وأميركا على الشيعة هي حرب دينية سياسية تتفرّع عنها حروب مذهبية، لأن الحرب التي تشنّها "اسرائيل" على الفلسطينيين والعرب والمسلمين هي حرب دينية، تأخذ اسماءها ومصطلحاتها وأهدافها وتبريراتها من التوراة والتلمود لإقامة الدولة اليهودية وتدمير المسجد الأقصى وبناء "هيكل سليمان".
الحرب على الشيعة لا تقتصر على الشيعي الذي يحمل السلاح ويمتلك الصواريخ الدقيقة، بل على كل شيعي يحمل فكرة العداء "لإسرائيل" وعدم الاعتراف بها، ويرفض الاستسلام، حتى لو كان مفكّراً أو إعلامياً أو عالم دين أو حتى رسّاماً أو مخرجاً سينمائياً .
الشيعة بالنسبة @لإسرائيل" ليسوا محصورين بالمذهب الشيعي، بل كل مقاوم فلسطيني أو عربي أو مسلم أو مسيحي يؤيد مظلومية الشعب الفلسطيني واللبناني ويرفض الجرائم والتوحش "الإسرائيلي"، كما أطلقوا صفة "المخرّب" على كل مقاوم ،مهما كان تنظيمه وعقيدته وجنسيته ولذا يتم حظر التعاون مع الجماعة الإسلامية وتيار المستقبل في لبنان ويصبح كل معارض للمشروع الأميركي والتطبيع مع "إسرائيل" "شيعي" كما كان المعارضون السياسيون شيوعيين، مما يغيّر وجه الحرب وساحاتها وأدواتها وخطابها من حرب على الجبهات بخنادق متقابلة الى حرب "دينية - أهلية" في كل الساحات التي يتواجد فيها مقاومون، يذبحهم ويقتلهم التكفيريون وتقيم "إسرائيل" الحواجز الجويّة الطيّارة لاغتيالهم في سياراتهم وعلى دراجاتهم النارية، مما يستدعي تعديلاً في خطط المواجهة وتنمية وتطوير المقاومة الثقافية والإعلامية.
تعيش أميركا و"اسرائيل" فوبيا الشيعية السياسية والعسكرية التي استطاعت بساحاتها المتعدّدة مذهبياً وجغرافياً مواجهة أمريكا و"إسرائيل" وعرقلت مشاريعهما من التهويد وصفقة القرن الى الشرق الأوسط الكبير و"اسرائيل" الكبرى على مدى 40 عاماً، ولا زالت الحرب مستمرة ولم تنته بعد، ولن تنتهي، رغم كل الضربات القاسية التي تلقاها المحور المقاوم بمذاهبه السنّية والشيعية والعلمانية الذين تعتبرهم امريكا أنهم" شيعة"!
قاوم... مهما كان مذهبك... ولو اتهموك بأنك "سني - شيعي" أو "مسيحي - شيعي" أو "علماني - شيعي"... فقد اعتقلوا المطران إيلاريون كبوجي (المسيحي)، وقتلوا الشيح أحمد ياسين (السنّي) واغتالوا السيد نصر الله (الشيعي).
لا يهمهم كيف تصلّي... بل في أي اتجاه تُطلق رصاصك.
الحواجز "الإسرائيلية" الطيّارة... للقتل على الهوية _ د. نسيب حطيط
الجمعة 11 تموز , 2025 12:57 توقيت بيروت
أقلام الثبات

