خاص الثبات
لم تكن واقعة كربلاء حدثًا عابرًا في التاريخ، بل كانت مفصلًا محوريًا في مصير الأمة الإسلامية، ووقفةً حاسمةً من حفيد النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في وجه الانحراف والفساد الذي كاد أن يصيب الإسلام في عمقه وجوهره.
لقد تصدّى الإمام الحسين عليه السلام ليزيد بن معاوية، لا لأن المسألة كانت مجرد صراع على السلطة أو الحكم، بل لأن يزيد مثّل خطرًا حقيقيًا على الرسالة الإلهية التي بُعث بها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
كان يزيد فاسقًا، شاربًا للخمر، قاتلًا للنفس المحرمة، لا يملك من أخلاق النبوة شيئًا، بل كان نقيضًا لها في سلوكه وطباعه. فكيف يمكن أن يُسلّم له "كرسي النبي"، كما وصف الإمام الحسين، كيف يتولى أمر المسلمين من لا يعرف لله وقارًا ولا لرسوله حرمة؟.
إن بيعة الإمام الحسين ليزيد، تعني شرعنة ظلمه وفسقه، وتعني أن يصبح هذا الانحراف جزءًا مقبولًا في تاريخ الأمة، ومثالًا يُحتذى به في كل زمان، فيُقال للمعترضين على الظلم: "إذا كان الحسين قد بايع، فمن أنتم لتعترضوا؟"
لكن الحسين عليه السلام أبى، ورفض أن يمنح الشرعية لطاغية بني أمية. لقد كان واعيًا تمامًا لما تعنيه البيعة، وكان يعلم أن الركون إلى الظالم، حتى وإن كان بالصمت، هو خيانة للقرآن. ألم يقل الله تعالى في محكم كتابه:
{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} [هود:113]
إن هذا الرفض كان واجبًا دينيًا وأخلاقيًا، لا خيارًا شخصيًا. فالحسين كان يدرك تمامًا أن مبايعة يزيد تعني تزوير التاريخ، وتعني هدم القيم التي أسسها الإسلام، من عدل وحق وحرية وكرامة. ومن هنا قال كلمته الشهيرة:
"مثلي لا يبايع مثله".
لم يكن الحسين يسعى إلى الحكم، بل كان يسعى إلى حفظ المشروع الإلهي من الانحراف، واستنقاذ رسالة جده من التشويه على يد حكام الجور.
ولذلك تحمّل ما تحمّله، وواجه ما واجهه، وقدم أغلى ما يُملك، حتى الشهادة، ليبقى الحق صريحًا، والباطل مكشوفًا.
واليوم، وفي كل زمان، حين يُريد الطغاة أن يفرضوا تسلطهم باسم الدين، نقف على صرخة الحسين ودمائه الزكية، ونقول: إن الحسين لم يبايع يزيد، فكيف نبايع نحن من هم على شاكلته؟!
إن الحسين عليه السلام، لم يكن ثائرًا فحسب، بل كان حافظًا للدين، مستنقذًا للمشروع الإلهي، وواقفًا بين الحق والباطل، ليُعلنها مدوية:
"إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا، ولا مفسدًا ولا ظالمًا، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي".
وهكذا، يبقى الحسين عليه السلام ميزانًا يُقاس به الحاكم، وتبقى كربلاء شعلة لا تنطفئ في ضمير الأمة.