خاص الثبات
في هذا الزمن المليء بالتقلبات السياسية والضغوط الدولية، يعود المبعوث الأمريكي توم باراك ليُطلّ علينا بتصريحات "مُطمئنة" ظاهرياً، وخبيثة في عمقها. يتحدث عن "خطة مستقبلية للبنان"، عن "رضاه" عن الرد اللبناني، ويكرر لازمة "السلم والازدهار" وكأن أمريكا يوماً كانت حريصة على سلم الشعوب وازدهارها، لا سيما في منطقتنا. لكننا نعرف، والتاريخ يعرف، أن أمريكا لا تطرق أبوابنا إلا بمشاريع تفتح الطريق للفوضى أو الهيمنة أو التفتيت، وما من "خطة" أمريكية وُضعت إلا ودفعت الشعوب ثمنها دماً وجوعاً ودماراً.
أميركا لا ترى في لبنان دولة ذات سيادة، بل ورقة ضغط في ملفاتها الإقليمية، وساحة لتصفية حساباتها مع من يعارض هيمنتها. عندما يتحدث المبعوث الأمريكي عن "عجز اللبنانيين عن الاتفاق"، فإنما يحاول أن يُلقي اللوم على الشعب، ليغض النظر عن الدور الأميركي في تأجيج الانقسامات، ودعم المشاريع التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه. ولسنا بحاجة لذكاء خارق لنفهم أن "الرضا" الأميركي لا يُبشّر بخير، بل قد يعني مزيداً من الحصار، وغارات مكثفة، وتحريض داخلي قذر، لأن أمريكا لم تُجرّب إلا سياسة العصا، وقلما مدّت يدها إلا وكانت مخبّأة خلف ظهرها سكين.
نحن اليوم أمام مرحلة مفصلية، ولسنا في موقع الترف السياسي أو التحليل البارد. هذا ليس تشاؤماً ولا تهبيطاً للمعنويات، بل دعوة للوعي والثبات، لنكون واضحين مع أنفسنا أولاً، ومع العدو ثانياً. نحن أبناء مدرسة تقول: "هيهات منا الذلة"، وهذا ليس شعاراً يُرفع في المناسبات، بل مبدأ نعيشه كل يوم. نحن جمهور مقاومة لا يمكن أن يرضى بالركوع ولا أن يُخدع بكلمات معسولة مصدرها من لطّخت يده بدماء الشعوب.
الثقة التي نتكئ عليها لا تُبنى على تصريحات المبعوثين، ولا على وعود الدول الكبرى، بل تُبنى على تضحيات المقاومين، على سواعد الشهداء، على صدور المجاهدين الذين يحرسون هذا الوطن من شماله إلى جنوبه. نحن لا نملك ترف التخاذل، لأن أي تقصير منا هو خيانة لدم الشهداء، وخيانة لمن هم الآن في الجبهات، في الخنادق، في مواقع الرصد والمواجهة. من يتهاون في الداخل، يكشف ظهر المقاوم، والمقاوم هو ظهرنا وعيننا وسندنا.
لهذا، فإن الرد الحقيقي على كل خطة أميركية هو تعزيز سلاحنا، وتحصين بيئتنا، وزيادة لُحمتنا، كما قال سماحة الشيخ الأمين في يوم العاشر من محرم. الهدوء الداخلي ليس ضعفاً، بل هو قوة مضاعفة. الوحدة ليست مجرد خطاب، بل فعل يومي يضمن أن لا نُخترق، وأن لا نُكسر. فالمعركة لم تعد فقط عسكرية، بل هي نفسية وإعلامية واقتصادية، والمطلوب منا أن نثبت في كل هذه الميادين كما يثبت رجالنا على الجبهات.
ولذلك نقولها بوضوح: لا نثق بأمريكا، بل بسلاحنا. لا نراهن على الوعود، بل على المقاومة. لا ننتظر الخطط الأميركية، بل نكتب مستقبلنا بإرادتنا. هذا زمن المواجهة، وزمن الرجال، وزمن الثبات. فمن اختار المقاومة، لا يلتفت إلى المبعوثين، ولا يخدع بكلام مدهون. نحن هنا، في قلب العاصفة، نعرف مَن معنا ومَن علينا. وأميركا ليست يوماً كانت معنا، ولن تكون.