أقلام الثبات
رضي الموفد الأميركي السفير توماس براك عن الردّ اللبناني على الورقة التي قدَّمها، وأشاد برئيس الجمهورية وفريق عمله، واعتبر الاجتماع في بعبدا مثيراً ومُرضياً، وفي عين التينة ممتعاً مع الرئيس نبيه بري، وفي السراي سمع من الرئيس نواف سلام ما "أثاره وأمتعه وأرضاه"، ولم يبتدع الرؤساء الثلاثة شيئاً جديداً، سوى أنهم التزموا بتطبيق اتفاق الطائف لناحية حصرية السلاح، والتزموا بخطاب القسم للرئيس جوزف عون، والتزموا أولاً وأخيراً بالبيان الوزاري، وبأن حزب الله حزب لبناني وجزءاً لا يتجزأ من الدولة اللبنانية.
المخجل في مواقف البعض في لبنان، وما أكثرهم من سياسيين وإعلاميين، أنهم يستعجلون تسليم المقاومة سلاحها أكثر من الصهيوني والأميركي، وربما أحسَنَ "براك" بالإجابة رداً على سؤال الصحافة المغرضة عن العلاقة بين الدولة وحزب الله وقال: حزب الله هو حزب سياسي لبناني، وعليكم أنتم كلبنانيين الحوار معه، ولا علاقة لنا في الولايات المتحدة بالتفاصيل الداخلية للدول.
والمؤسف في مواقف البعض في لبنان، أن بعض خصوم المقاومة، من سياسيين وإعلاميين، ليسوا صغارا في مواقعهم بل في نفوسهم، وهم محسوبون علينا نواباً ووزراء وواجهات إعلامية بارزة، ويدخلون منازلنا يومياً عبر القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل، تماماً كما يدخلون منازل الصهاينة في فلسطين المحتلة بصفتهم "صهاينة الداخل اللبناني"، مثل ذاك النائب الذي يلهو على "مرجوحة"، ويعتقد أن سلاح المقاومة حمولة "بيك آب" ومن السهل نقله وتخزينه في مستودع، أو نائب آخر يبخّ سموماً طائفية ومذهبية على هذا السلاح، لتنتهي الأمور بوزير من هنا ورئيس حزب من هناك، الأول يفاخر بنفسه أنه "تيس" فاتح على حسابه وخارج عن كل أصول الدبلوماسية الخارجية، والثاني مجموع نوابه بالكاد يكفي للعبة "طرنيب" ويُطالبان بنزع سلاح المقاومة، بمعزل عن سلاح الغرباء على الأراضي اللبنانية.
"صهاينة الداخل" لا تعنيهم الاعتداءات الصهيونية اليومية التي تخرق القرار 1701، ولا الاحتلال "الإسرائيلي" للتلال الخمس، ولا زيارة بنيامين نتانياهو إلى واشنطن وما قد ينتج عنها. ولا تعني هؤلاء التهديدات التكفيرية من الشرق والشمال لسيادة لبنان، ولا صفقة طرابلس مقابل الجولان، ولا قضم البقاع وإعادتنا إلى حجم متصرفية جبل لبنان، ولا الثلاثة ملايين لاجئ ونازح بلا حلول ناجعة لهم، ولا أزمة السلاح الغريب الذي يشكل خطراً على السيادة اللبنانية، أما سلاح المقاومة الذي لطالما ضَمِن هذه السيادة فهو الوحيد بنظر هؤلاء الذي ينتهك السيادة.
تبقى النقطة الأبرز والأهم، أن هؤلاء "الزحفطونيين" نحو السلام الذليل، يتذرعون أن سلاح المقاومة لم يحمِ لبنان خلال العدوان الصهيوني الأخير، وهنا لا نجد أنفسنا ملزمين للتوضيح عن التنسيق العالي المستوى بين قيادتي الجيش والمقاومة، وليس بالضرورة الإفصاح عن قيام استراتيجية دفاعية غير مُعلنة، لكنها حاصلة، ولن تكون في الوقت الحاضر على الأقل بمتناول هذه الطبقة من السياسيين والإعلاميين، قبل معالجة الوضع العام من الانحراف والشذوذ والعمالة.
وإذ يعاني البعض في لبنان من أزمة قراءة إقليمية، وأن "اليوم التالي" الذي مضى على العدو الصهيوني 635 يوماً في البحث عنه لقطاع غزة دون جدوى، فلا أميركا قادرة على توصيفه، ولا "إسرائيل" تمتلك خيارات تحديده نتيجة الصمود الشعبي، وكما العودة على بدء، ننقل عن اللواء المتقاعد في الجيش "الإسرائيلي" إسحق بريك قوله منذ ساعات: حماس أعادت بناء عديدها في القطاع، وهناك 40 ألف مقاتل داخل الأنفاق على جهوزية تامة للقتال.