الثبات-إسلاميات
في زحمة الحياة وتقلُّب الأيّام، كثيرًا ما يجد المؤمن في نفسه فتورًا أو تثبيطًا عن الطاعات، وتغريه النفس بالركون إلى الراحة والكسل، وتوشك أن تصرفه عن العمل الصالح بحجج شتّى: "تعبت"، "سأقوم غدًا"، "ما الفائدة؟"، "إنها صغيرة لا تُذكر"... وفي خضم هذا الصراع، لا بد أن نُعيد البوصلة إلى حيث يجب أن تتجه: نحو الجنّة كلّما دعتك نفسك لترك عمل صالح، فخاطبها بصدق:
لعلِّي بهذا أبلغ الجنّة!
لعلّ ركعةً أخشعُ فيها، أو دمعةً أخلصُ بها، أو صدقةً أخفيها، هي سبب نجاتي يومَ العرضِ الأكبر على الله قال تعالى: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ فهذا هو الفوز الحقيقي، وكل عمل صالح يُقرّبنا من هذا الفوز
الأعمال الصالحة ليست أعباءً ثقيلة ولا مهام تُنجز ثم تُنسى، بل هي جسورٌ بيننا وبين الجنة، وهي برهان صدق الإيمان، ووسيلة لدوام الصلة بالله تعالى فإن رأيناها تكاليفَ ثقيلة، ضعُف عطاؤنا، وإن رأيناها تشريفًا وقُربًا، نشطنا لها وتسابقنا نحوها
قال رسول الله ﷺ:((كلُّ أمَّتي يدخلونَ الجنَّةَ إلَّا من أبى)) قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قالﷺ:((من أطاعني دخل الجنَّةَ، ومن عصاني فقد أبى))
وقالﷺ أيضًا: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز))
وقد قال أحدهم: إذا مرَّ بي يومٌ ولم أقتبسْ هُدىً.... ولم أستفد علمًا فما ذاك من عُمري!
وهذا لسان من عرف أن الحياة الحقيقية هي حياة القلوب، وأن أنفاس العمر لا تُوزن بالسنين، بل بما تُزهِر فيه من علمٍ وعملٍ وهداية قال تعالى:﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا *الصَّالِحَاتِ﴾ فكلُّ يومٍ لا يُضيف إلى القلب هدى، ولا يُقرّب إلى الله خطوة، هو خسارة لا تُعوّض
ومن وسائل تحفيز النفس للطاعات:
أولًا: استحضار الهدف الأعلى، وهو الجنة قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾
ثانيًا: تذكير النفس بقصر الدنيا وزوالها، فقد قال النبي ﷺ:((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))
ثالثًا: إدراك أن الطاعة تشريف، لا عبء، وأن التعب في طاعة الله راحةٌ للنفس قال النبي ﷺ: ((سبق المُفردون)) قيل: من المفردون يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات))
رابعًا: مصاحبة الصالحين الذين يشحنون همّتك، ويعينونك على الطاعةقال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾
خامسًا: البدء بالقليل الثابت من الأعمال فقد قال رسول الله ﷺ:((أحبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ)) إن العمل الصالح، وإن بدا صغيرًا في أعيننا، قد يُرضي ربًّا عظيمًا، ويكون سببًا في النجاة قال النبي ﷺ: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة))
فلنجعل شعارنا: لعلّي بهذا أدخل الجنّة
وإذا مرّ بي يومٌ لم أزدد فيه قربًا من الله، فما ذاك من عُمري!
وليكن كلُّ يومٍ لنا محطة قرب، وكلّ لحظة لبنةً في بناء دارٍ لا يزول نعيمها، ولا ينقطع أُنسها: الجنّة قال الله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا﴾