الثبات-إسلاميات
في يومٍ من أيام الله، يومٍ خالطت فيه الدماء الماء، وتزاحمت فيه العبر والعظات، تُنادي عاشوراء على مرّ الدهور والأزمان، فتقول: إن للضيق نهاية، وللجَور حدًّا، وللطغيان قبرًا، وللظالم بحر سيغرقه، وللصادقين نصرًا
فما أعظمها من رسالة، وما أبلغها من كلمات!
أولًا: إن للضيق نهاية، ولكل شدة مُدة:
الحياة ليست سرمدية في بلائها، ولا دائمة في عنائها وإن ضاق الخناق، وادلهمّ الظلام، فإن وراء كلّ شدةٍ فرجًا، ووراء كلّ كربٍ فتحًا ونصرًا قال تعالى:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}
ويوم عاشوراء يُذكّرنا بذلك؛ فقد لبث بنو إسرائيل في قهر فرعون سنين عددا، يُذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، حتى جاء أمر الله بالفرج، وحلّت ساعة النصر، وغُرِّق الطغاة، وتنفّس المظلومون الصعداء
ثانيًا: وللطغيان قبرًا:
إن الطغيان لا يخلّد، والظلم لا يدوم، وكل جبارٍ في الأرض له يوم تُحمل فيه جثته إلى تابوت، يُطوى فيه جبروته، وتذوب فيه عنجهيته، فلا يبقى من أثره سوى اللعنات في صحائف التاريخ
لقد توهّم فرعون أنه الرب الأعلى، فقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ} لكن النهاية كانت عند البحر، في تابوت الغرق، والعبرة باقية: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}
ثالثًا: لكل ظالمٍ بحرٌ سيُغرِقُه
الظالم مهما علا، فإن له نقطة ضعفٍ تهلكه، ومصيرًا يطويه البحر الذي استصغره فرعون، واستهان به موسى، كان هو الحَكم بينهما، وقدّر الله أن يكون البحر جسرًا للنجاة لموسى، وسِكّينًا للغرق لفرعون
إن الله لا ينسى، وإن تأخّر القصاص، وإن الله يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته
رابعًا: وللصادقين نصرًا
النجاة ليست للقوة، بل للثقة بالله، والإيمان بوعده موسى عليه السلام، ومعه قومه، لا سلاح ولا عدة، والبحر أمامهم، والعدو خلفهم، ولكن اليقين كان زادهم قال موسى في تلك اللحظة الحرجة: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} فانفلق البحر بإذن الله، ومضى موسى آمنًا، ونجّى الله المؤمنين، وهلك المتجبرون
وما يزال الدرس يتكرّر...
لقد بقيت عاشوراء شاهدًا على صراع الحق مع الباطل، من زمن موسى وفرعون، إلى ملحمة كربلاء، حين وقف الحسين بن عليٍّ عليه السلام ثائرًا بدمه الطاهر، صابرًا محتسبًا، رافعًا راية الحق في وجه الجور
فسُفِكَت الدماء، واشتدّ البلاء، ولكن بقيت الكلمة كلمةً لله، وسُجّلت التضحية في أعلى صفحات المجد
إن يوم عاشوراء ليس مجرد ذكرى، بل هو درس خالد، ومنارةٌ للمؤمنين في ليل المحن الطويل فإذا ضاقت بك الحياة، وتكالبت عليك الهموم، فاذكر أن: لكل شدةٍ مدة ولكل طاغية نهاية ولكل فرعون بحرًا ولكل قلبٍ مؤمن ربٌّ لا ينساه
فعاشوراء تقول لنا: ثقوا بالله، واسعوا في طريق الحق، واصبروا، فإن العاقبة للمتقين