أقلام الثبات
تتزايد الحرب النفسية على المقاومة وأهلها ،لترهيبهم ودفعهم لتسليم سلاحهم بدون ضمانات او أثمان أو مقايضات، لتسهيل أعمال القتل التي تنتظرهم، بسيوف التكفيريين وطائرات وقنابل إسرائيل والمتعدّدة الجنسيات التي ستشترك للثأر من المقاومة التي أذلّتها وقاومتها طوال اربعين عاماً.
يتصرّف المبعوث الأميركي وكأنه رسول "إلهٍ" لا يمكن رفض أوامره أو الكفر بظلمه، فيحدّد المهل القصيرة لتسليم السلاح، ومهدّداً بالقتل والتدمير إن لم يسارع أهل المقاومة للتنازل عن أمنهم وشرفهم وكرامتهم، وتعاونه مجموعة من "الضباع" اللبنانية الجبانة والعميلة التي تنتظر قتلنا ،لتأخذ حصتها من جثتنا واشلائنا المبعثرة بين الركام والحقول ،لاعتقادهم ومعرفتهم بأننا وحدنا، كما كنا وحدنا في حرب 66 يوماً ولا زلنا وحدنا، لكن الله معنا لأننا نقاتل في سبيله صادقين.
صحيحٌ أننا نعيش أوضاعاً استثنائية صعبة وخطيرة لم نتعرّض لمثلها منذ احتلال فلسطين، ونحن في وضعٍ لا يَحسدنا عليه أحد ،بل يتكاثر الشامتون بنا والحاقدون علينا، وقد وضعنا الأعداء والخصوم وفق "ديمقراطية القتل والتوحش" بين خيارين:
- الخيار الأول: ان نوافق على قتلنا منزوعي السلاح ، ونتدرّب على العواء وانتظار حلق اللحى وسبي نسائنا وشتم الإمام علي "عليه السلام"، والامتناع عن إقامة مجالس العزاء ،حتى لا يغضب الأمويون الجدد!
- الخيار الثاني: أن نحتفظ بسلاحنا ونقاتل بشرف وندافع عن عقيدتنا واهلنا ونَقتُل كما نُقتَل ونَخسر كما يخسرون، وبإذن الله نستطيع الانتصار أو استعادة مكاسبنا وحقوقنا.
تتعرّض المقاومة والمقاومون لحرب ظالمة من الخصوم وفي بعض الأحيان - عن غير قصد - من الأصدقاء والمحبين، بالاستهزاء بقدراتها وتحميلها مسؤولية ما نحن فيه وتبخيس تضحياتها واتهامها بالضعف او المغالاة بقدراتها الى حدود التوبيخ.
نسي الجميع أو تناسوا شجاعة واستبسال المقاومين الذين قاتلوا 66 يوماً بغياب واستشهاد قائدهم مع كل القيادات المركزية وقادة المحاور وتدمير المخازن وأكثر من 3000 جريح بمجزرة "البيجر"، واستطاع المقاومون الشجعان تعويض خساراتهم بقتالهم الكربلائي ولأول مرة في تاريخ الصراع مع العدو يستشهد أكثر 3000 مقاوم في 60 يوماً، وهو ضعف عدد المقاومين الشهداء، لكل قوى المقاومة طوال 18 عاماً من المواجهات حتى تحرير الجنوب.
لو قارنّا ما قامت به المقاومة خلال حرب ال 66 يوماً مع ما تعرّضت له الجمهورية الإسلامية في إيران خلال 12 يوماً من الحرب وهي التي لا تشترك بحدود برية مع العدو الإسرائيلي وما خسرته من قادتها الشهداء وقدراتها العسكرية ، ولولا اللطف الإلهي بنجاة "المرشد"، لسقط النظام وسقطت الثورة في أيام معدودات ..لرأينا قوة وشجاعة المقاومة في لبنان التي لم تسقط بعد استشهاد قائدها.
لقد سقطت سوريا في ساعات مع أن جيشها مئات الآلاف واحتلت "اسرائيل" الجنوب السوري في ساعات ولم يُثقَب دولاب جيب "إسرائيلي" ولو أرادت "اسرائيل" احتلال دمشق ،لفعلت في ساعات، بينما لم تستطع ان تتوغّل 10 كيلو مترات داخل لبنان خلال 60 يوماً.
لسنا وحدنا في قلب العاصفة ،فكل المذاهب والطوائف والشعوب والدول في المنطقة، تعيش مخاض ولادة "إسرائيل الكبرى" و "الشرق الأوسط الأميركي" الجديد ويتزايد نزيف الدم والكرامة ويدفع العرب أموالهم وسيادتهم وكرامتهم ودينهم وارضهم لينجوا ومع ذلك لم يحموا أنفسهم، بينما دفعنا دماءً وأرزاقاً...ولم ننهزم .
يقصفنا الأميركيون ،بالتهويل وتحديد المهل وتشجيعنا لعدم خسارة وتضييع فرص "الاستسلام والذل".. ونقول باطمئنان وواقعية ،بأننا لازلنا نمتلك القوة ولسنا ضعفاء ...ولو أن إسرائيل وأميركا قادرتان على نزع السلاح او تدميره ،فلن يفاوضونا ولن يمدّدوا المهل ولن يغيّروا المواعيد ولن يتصرفوا بما يرضينا، بل لغادروا طاولة المفاوضات لقصف ما تبقى من أنفاق وصواريخ!
إن تجربة الإسرائيليين بعد اجتياح 82 وتجربتهم في حرب 66 يوماً وتجربة الأميركيين بعد تفجير المارينز ،تمنعهم من المغامرة مرة جديدة وسيكتفون بالاجتياح الجوي والاغتيالات وقصف الأنفاق والمستودعات، لكن هذا الأمر لن يستمر طويلاً وسيتم تقييد هذا العدوان الجوي، خاصة مسيّرات الموت واغتيال المدنيين.
فلنصبر الصبر الحكيم والشجاع غير الجبان، ولنتهيأ ونستعد، فإذا ما توحّشت اميركا وإسرائيل وعادوا للحرب ،فعلينا أن نكون جاهزين، للمواجهة، وعلينا البدء بتوفير بعض المال والتموين ولنتخذ قراراً، بعدم مغادرة الجنوب حتى لو اجتاحته "إسرائيل" ،لنعيد تجربة مقاومة الاحتلال "الإسرائيلي" عام 82 ونُفشل المشروع "الإسرائيلي"، بتهجير الجنوب ولو تعرّضنا للمجازر أو الدمار، لأن ثمن البقاء في الجنوب، يَستوجب تقديم التضحيات، بما يليق بعقيدتنا وكرامتنا.... {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلك أَمْرًا}.. فلنرحم المقاومين النازفة جراحهم ...ولا نستفزهم ولا ندفعهم للانفعال والقتال قبل أن يكونوا جاهزين.
لا تخافوا من التهويل وتحديد المُهَل ــ د. نسيب حطيط
الثلاثاء 29 تموز , 2025 12:42 توقيت بيروت
أقلام الثبات

